العلاقة في بلادنا بين الانسان والوطن علاقة انفصام يظللها عَلَم من قماش له ألوانه، يرتفع فوق الأبنية الرسمية أحياناً وأحياناً ينكّس. ويظل المواطن “زبوناً” و”لعبة” مثل جدّ “كاسبر”، الشبح الصغير الذي أورثنا إياه “ميكي ماوس” الاميركي الكرتوني الذي أفتى أحد شيوخ السعودية منذ عقد تقريباً باعدامه لأنه فأر غير مرغوب فيه داخل صفحات القرآن الكريم.
والمواطن زبون يُباع ويُشترى ويشتري مطلق شيء حتى انه بلغ مرحلة التجارة بالزبالة كما غيره من مواطني الكوكب، وعندنا من أيام نشوء جمهورية “سوكلين” و”الداون تاون”، يوم صار للتاون أي لبيروت مساحة البرج وسوق الطويلة وباب ادريس واسواق أخرى كانت صورة حقيقية “لمواطن” حقيقي بمقدار لا بأس به، يصدق بمقدار ويكذب بمقدار، ويضحك ويبكي بمقدارين متوازنين… حتى صار لبيروت “داون” بلا “آب” فاختلّ التوازن الذي ذهب بتراث جميل أخبر عن ناس أحبّوا بيروت بحق وبلا شراهة.
والحق على “ميكي ماوس” لا حمى نفسه ولا حمانا من تطاول أخوي محبّ لدرجة السطو على أملاك خاصة، فكانت ظاهرة الغزو المشرّع للشاطئ الأزرق لبيروت. بيروت التي ما مرة كانت ملكاً إلا لذاتها، على رغم “البيال” ومقاهي “الداون تاون” و”الزيتونة باي”… زيتونة لا زيتوني كما كانت تسمى تلك المنطقة البحرية توأم “شارع المتنبي” الذي أظهر كم ان للرجال حقوقا مشرّعة لا تتمتع بها النساء، الى ان اختلط الحابل بالنابل في كل الملاهي الليلية وفنادق النجوم الخمس الحاملة تواقيع الامراء الآتين من بلاد النفط الشقيقة.
هو الوطن بزبائنه القدامى والجدد، يتاجر كباره بصغاره، والعكس ايضاً صحيح، والكل تاجر ويتاجر بالزبالة. وصارت عندنا للتجارة مساحات جديدة، كان يُخطف كل يوم طفل أو شاب، ثم يفرج عنه مقابل فدية يدفعها الأهل وسط هطول الأرز والورود والزغاريد فوق رأس العائد المدهوش بكمية الحب التي تكاد تخنقه، ووسط شكر والدته للخالق الذي حماه الى أي مذهب انتمى. وبالشكر تدوم النعم لأن الخطف الذي يكاد يصبح مشرّعاً، سيدوم ويدوم، فالزبائن كثر والدولارات أكثر، حمداً لله… ما هيك؟
وعلاقة الانفصام مستمرة في ظل العلم اللبناني الذي سيوّقع فوقه اللبنانيون اسماءهم بكل لغات الارض، حتى بالعربية. ثم سيطوف بعضهم بالعلم المحظوظ كل زوايا المعمورة ليلتقي عنده كل لبناني هاجر يائساً من “طائف” ما عزّز إلا الطائفية، ومن ارشاد غربي – شرقي مثير للسخرية، عقيم وغير صادق… ونحن زبائن، مغامرون، منتصرون كل صباح لو كتبت لنا الحياة عند كل فجر جديد! فينيقيون، ما هيك؟