مع تردي الأوضاع الاقتصادية العالمية ووجود حربين كبيرتين، تزداد عمليات الغش والتلاعب بمعيشة المواطنين. المواطن العالمي قلق اليوم من التضخم الذي يأكل من دخله ومن ندرة فرص العمل المناسبة، كما من امكانية استمرار ايراداته في هذه الظروف. هذا لا يعني أن الأمور كانت بألف خير في السنوات الماضية، انما لا شك أن عمليات التبادل المالي والتجاري لا ترتكز كالماضي على الشفافية والمحاسبة وبالتالي عمليات الغش والفساد تزداد كما لم يحصل سابقا. بالرغم من أن وسائل مكافحة الغش والتلاعب والسرقة تقدمت كثيرا، الا أن الوسائل المعتمدة من قبل المجرمين تطورت هي أيضا. بالرغم من أن العقوبات المفروضة على المجرمين أصبحت أكثر قساوة، الا أن المجرمين يجدون مختلف الطرق التقنية والقانونية للتهرب منها أو أخذ القليل من العقوبات. لا يمكن تبرئة النظام الاقتصادي الحر، المعتمد على المصلحة الشخصية دون حدود وعلى تحقيق الأرباح الكبيرة الممكنة، من التسبب بالمشكلة في غياب ضوابط رادعة.
حرية النظام الاقتصادي هي سيف ذو حدين. من جهة، يسمح النظام الحر للمواطن والشركة بعمل المستحيل للتطور والنجاح المادي، لكن من ناحية أخرى لا تتم مراقبة الوسائل التي تتبع للوصول الى الغنى المادي الفاحش. لا يمكن القول أن المواطن أساسا سيء ويحب الغش، انما قواعد اللعبة يمكن أن تحول المواطن الى هذه الصفات السلبية كي ينجح ضمنها. من ميزات النظام وقواعده ما نشهده في وقت الأزمات عندما نركض جميعا للتخزين، أي شراء سلع لا نحتاجها وربما يحتاجها الغير ليس خوفا فقط وانما لتحقيق الاستقرار النفسي والشعور بالآمان المادي.
لم يكن الغش موجودا في السابق كما هو اليوم بسبب التطور التكنولوجي الكبير وغير المفهوم بنفس الدرجة من قبل جميع المواطنين. الاحتيال الذي يجري عبر الأنترنت أي التسوق والاستثمار عبرها يسمحان للفاسدين بأن يحققوا أرباحا غير شرعية كبيرة على حساب مصلحة المواطن العادي البريء. أما سرقة المعلومات الشخصية من مالية وغيرها عبر الأنترنت، فتنبه اليها كل المحطات الاعلامية الا أن العديد منا يقع ضحية الغشاشين الذين يتقنون وسائل الترغيب.
من المدهش كيف يستطيع المجرمون عبر الأنترنت وشبكات الاتصالات السيطرة على المواطنين قاصرين وراشدين ودفعهم للقيام بعمليات ترفضها الأخلاق كما يرفضها المنطق وتحاسب عليها القوانين. فالتلاعب يجري بالمواطن مما يجعله يقوم بأمور ليست لمصلحته علما أنه يدرك ذلك، لكن الأجواء التلاعبية تسيره نزولا. فالمجرمون يستعملون عاملين كبيرين أي النفسي والمعلوماتي. في الأول وتبعا لمعرفتهم بأوضاع المواطن التي يقدمها لهم، يبنون عليها لدفعه الى السقوط المالي والأخلاقي أي الشراء والبيع أم الارتباط الشخصي غير المناسب. في المعلوماتي، يقدم الوسطاء للمواطن معلومات خاطئة أو مزورة تجعله يقوم بعمليات استثمارية أو استهلاكية معينة تدفعه الى السقوط والافلاس. كل من يشتري أو يستثمر عبر الأنترنت معرض للسرقة أكثر من الحضور الشخصي خاصة اذا لم يكن عالما بتلك الأسواق وشروطها وعوامل الانضباط والمحاسبة ضمنها.
هنالك 4 قطاعات يزدهر ضمنها غش المواطن، وذلك عندما يتم التبادل عبرها أي عبر شبكات الاتصالات لذا يجب التنبه لها جميعها. أكثر ما يجب الحذر منه هي بعض الاعلانات حيث يتم ضخ المعلومات الجاذبة الخاطئة أحيانا لغش المواطن ودفعه الى الشراء.
أولا: الأمور الشخصية حيث تزدهر مثلا ضمنها عمليات التعرف عبر الأنترنت على شريك للزواج وتتم «الصفقة» دون دراسة مزايا الطرفين كما طبيعة العلاقة المعقدة مبدئيا. تزدهر اليوم مكاتب التعرف وتحقق أرباحا كبرى، وفي الحقيقة لو لم يكن الطلب على خدماتها كبيرا لما نجحت. في هذه الأمور الشخصية الدقيقة، يتم التلاعب باحساس المواطن ونفسيته لنصب الفخ الشخصي والعاطفي والمالي له. لا يقيم عموما طرفا العلاقة كما يجب صدقية الوسيط ونزاهته قبل الارتباط، وبالتالي يقعان في الفخ المكلف المنصوب لهما.
ثانيا: الأمور المالية حيث تغطي وسائل الاعلام كل يوم عمليات شراء وهمية يقع ضحيتها المواطن. في السابق كانت تتم عمليات البيع والشراء عبر أشخاص أو مؤسسات تحوذ على ثقة الطرفين، أما اليوم فالتهور القائم مبني على الجشع والرغبة في المخاطرة دون دراسة كافية. عندما يرغب المواطن مثلا بشراء منزل أو سلعة مكلفة، يطلب منه أحيانا تسديد جزء من الثمن وهنا ينصب الفخ له. عندما يعي ويكتشف الحقيقة، لا يستطيع استرجاع ما دفع. أما عنوانين الوسيط فتكون عموما مخفية أو مزورة وبالتالي تقع الجريمة المزعجة التي يتبعها أحيانا افلاسات كبرى لمواطنين أوضاعهم أصلا غير مريحة. في الدول الغربية أكثر السلع التي تقلق المواطن عند شرائها هي السيارات المستعملة، حيث تكون المعلومات الكاملة عموما ضبابية أو مجهولة أو محورة وبالتالي الوقوع في الخطاء سهل ويتكرر كثيرا.
ثالثا: الأمور الصحية حيث تباع عبر شبكات الاتصالات أدوية مغشوشة لا تؤدي الخدمة المعلنة، بل تضر بالمريض أو المستهلك. من أسواأ ما نشاهده هي الأدوية المعلنة لتخفيف الوزن والتي تجذبنا جميعا. تشير التجارب الى أنها عموما مضرة، بل دفعت بعضها أحيانا المستهلكين الى الكآبة وثم الانتحار. هنالك اعلانات عبر شبكات الاتصالات تشجع مثلا على استهلاك الدخان كما بعض الممنوعات الأولية والتي للأسف ترغب القاصرين وتضرُّ بهم.
رابعا: الأمور العامة أي كل ما يرتبط بالدولة وقراراتها، حيث تتراكم أخطاء المواطن بسبب عدم فهمه لها أو بسبب الغش المقصود المخبئ للفساد والتلاعب. يقع المواطن بسهولة ضحية سؤ الاداء، المقصود أو البريء، في القرارات الاجتماعية والسياسية والانتخابية التي تسوقها أجهزة الدولة. أحيانا يندم المواطن بعد دفعه أموالا للدولة، اذ يتبين له أنها ستهدر كالسابق. لا ننسى أصلا أن مؤسسات الدولة وجدت لخدمة المواطن وراحته وليس لإيذائه.