خطفت قضية الفنان زياد عيتاني أضواء كل القضايا، حيثيات ونتائج زيارة الرئيس سعد الحريري الى المملكة العربية السعودية، إستنفار المواطنين للمشاركة في الإنتخابات الذي لم يفلح الزعماء السياسيون حتى الآن في إذكائه، بدت كلها باهتة أمام مستجدات «قضية عمالة زياد عيتاني» المزعومة. الرئاسات، الأجهزة الأمنية، القضاء، والإعلاميون كلّ من موقع علاقته بالجهاز الأمني الذي تولى التوقيف أو الذي يتولى التحقيق، دخلوا حلقة التفاعل مع المسألة. شبكات التواصل الإجتماعي التي تشكلّت عبرها قرائن الإدانة المفبركة تفاعلت وفقاً للخلفيات السياسية والطائفية الموروثة وغير القابلة للتبدل تحت أي ظرف.
براءة الفنان عيتاني لم تعدّ موضع شك واستخدام قراصنة الشبكات للإيقاع به ليس موضع جدل أيضاً. التسريبات الواردة من المصادر القضائية والأمنية تشكّل بحدّ ذاتها هامشاً من الحماية والمناعة لهذه القضية التي وبرغم كلّ المحاولات الرسمية للنأي بها عن التداول تحوّلت الى قضية رأي عام. اللبنانيون بمختلف إنتماءاتهم مقتنعون أنهم ليسوا بمنأى عن التورط في ملفات مفبركة من هذا الجهاز الأمني أو ذاك طالما أنّ معايير الإتهام والإدانة والبراءة تختلف من جهاز الى آخر، وقد لا يُقيّض لكل منهم ظرفاً إنتخابياً أو قضائياً، أو إنتماءً عائلياً يعيدهم الى الحرية ولو بعد حين.
الغريب في الأمر أنّ ردود فعل الرئاسات والأجهزة لم تأتِ على خلفيّة تلفيق تهمة إضافية بالعمالة وسَجن مواطن ظلماً، بعد سلسلة من التهم المفبركة بالعمالة التي طالت مواطنين أبرياء، ليس آخرها قضية كلّ من طارق الربعة وسليم أبو حمدان ويوسف فخر الذين أمضوا سنوات في السجن ليتبيّن لاحقاً أنّهم أبرياء، بما يؤكّد وجود نيّة لتوزيع تهم العمالة على المذاهب ومن خلالها على المكوّنات السياسية كافة. ولم تكن كذلك على خلفية البحث عن سوء استخدام السلطة واتّخاذ الإجراءات اللازمة لوقفه وتأديب المتمادين في استغلال مواقعهم، بل تركزت على الإلتفاف على القضية ومحاولة تسجيل مخالفات تقنيّة على الجهة القائمة بالتحقيق وتوصيف الإشتباك بين الأجهزة بالقضية الوطنية بما يرمز الى تثبيت إقطاعات سياسية وطائفية داخل المؤسسات الأمنية والقضائية.
ما يجعل قضية زياد عيتاني تبدو أكثر إلحاحاً بنظر اللبنانيين هو الإحباط المتراكم المرافق لخيبات الأمل المتلاحقة على المستوى السياسي والإقتصادي والمعيشي. اللبنانيون الذين فقدوا كلّ الأمل بالحصول على أبسط حقوقهم في دولة تترنح بشكل يومي بفعل الفساد والإهتراء والزبائنيّة، أصبحو في وادٍ بينما السياسيين في وادٍ آخر. المشاركة في الإنتخابات التي يجب أن ينظر إليها كإستحقاق وطني ينبغي تعزيزه والرهان عليه، أضحت بالنسبة لهم ترفاً ليس من حقهم ممارسته لأنهم في نظر دولتهم أهل ذمة.
أجل في ظلّ الشراهة على اقتسام الدولة والنفوذ، اللبنانيون خائفون على كراماتهم. يبدو كلّ شيء في دولة القانون والمؤسسات المدعاة بحاجة الى إعادة توصيف، بعض الوزراء بحاجة الى إعادة قراءة صلاحياتهم، صلاحيات الأجهزة ونطاق مسؤولية كلّ منها بحاجة الى توصيف، التوقيف الإحتياطي بحاجة الى توصيف، مفاهيم الحق والعدالة والحرية والمواطنة بحاجة الى توصيف، أجهزة الرقابة والتفتيش بحاجة الى الإستقلالية لتقول كلمتها بوجه القراصنة ومستخدميهم.
تسألون المواطنين أن يعبّروا عن خياراتهم بحرية في الإنتخابات، نسألكم ما قيمة أن يختاركم مواطنون يعيشون تحت رحمة القراصنة….
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات