كان من هموم المشرّع في قانون التجارة، حماية الأقلية في الشركات المساهمة، أي صغار المساهمين، من عسف الاكثرية، أي كبار المساهمين. وبعد سن القوانين التي تزيل المخاوف، تبين ان عسف الاقلية في وجه الاكثرية، ليس أقل خطرا من العسف المضاد، فكانت إضافات قانونية كي يتحقق العدل.
تعيش المنطقة، منذ منتصف القرن الفائت، عسف الأقليات في وجه الأكثرية، وتفاقم الأمر منذ أطلق النظام الأسدي آلة التدمير والدم في وجه الشعب السوري، ما أباح لـ”داعش” و”النصرة”، ومن لف لفهما نشر التطرف الدموي، والتنافس مع بشار الأسد في استهداف الابرياء بوحشية تاريخية، فصار قطع الرؤوس بالجملة ينافس البراميل الطائرة.
لكن ما يراه الرأي العام العالمي، ومنه العربي، وفيه اللبناني، هو الشناعات التي يرتكبها من ينتسبون الى الأكثرية، فيما مجازر النظام في دمشق، ومثلها مجازر المنظمات الايرانية الموئل والطاعة، في العراق وسوريا، ضد الأكثرية، متجاهَلة أو مهمشة. حتى إن مجازر “داعش” و”النصرة” ضد أهل الاكثرية، يتم دفعها الى النسيان، كحال المجزرة التي أودت بـ700 شاب دفعة واحدة، وما تلاها وسبقها من قتل المئات من أبناء العشائر الذين رفضوا التطرف.
فوسائل الاعلام، التي يقودها الغرب، وتتحكم فيها الصهيونية العالمية فعلياً، وليس من باب أوهام العروبيين، تصر على توجيه رسالة واحدة، مفادها ان الأقليات في خطر. وهو العنوان الذي تريده اسرائيل، كونها الأقلية المؤسسة، ما يستدعي، حسب منطقها، حماية الغرب لها، كي يستمر في التكفير عن ظلمه السابق لليهود، بالدعم المالي والعسكري، والصمت على ظلمهم الفلسطينيين، والتمرد على قرار المجتمع الدولي بإنصافهم.
يلي اسرائيل في الكسب، تحت هذا العنوان، عدوها اللفظي إيران وهي أقلية قومية ومذهبية في المنطقة، نجحت في وضع نفسها في خانة الضحية، وفي تصوير مخالبها في سوريا والعراق ولبنان، وغيرها، على أنها دفاع في وجه الاكثرية “الظالمة”، مع الإصرار على امحاء ما ارتكبته من أعمال إجرامية، لا سيما في لبنان، وضده، لتكوين رصيد من الترهيب والارهاب، يفرضها محاورا على النفوذ في المنطقة.
ليس ما يستهدف الأقليات أكثر مما يستهدف الأكثرية، وما التركيز على كونها أقليات سوى الباب الأسهل لتقويض أوطانها، لا سيما أن الماضي القريب والبعيد لهذه الأوطان لم يشهد استهدافات جماعية لها، لأن أبناءها لم يخرجوا يوما عن اللحمة الوطنية في بلدانهم، وإن استهُدفوا كأفراد عارضوا أنظمة هنا أو هناك، كما غيرهم من الطوائف الأخرى، وأكثرهم من “الأكثرية”.
حال المسيحيين في لبنان نموذج وشاهد على أن قيمة الأقليات المعنوية في مواطنية أبنائها، وفي دورهم في التمسك بالوطن، الذي يستطيعون أن يكونوا، كما دائما، النسغ الذي يسري في نسيجه الوطني فيوحده، فيكونون مواطنين لا أقليات في أوطانهم.