IMLebanon

التحرّك المدني يُغامر بفقدان البوصلة والزخم رصيد 29 آب والشركة في القرار مهدّدان

تخشى مصادر سياسية أن تفقد الحركة المدنية الشعبية التي انطلقت على خلفية ازمة النفايات واستطاعت أن تستقطب المواطنين الغاضبين والساخطين على اداء السلطة والسياسيين زخمها كما بوصلتها تحت وطأة الارتباك في كيفية توظيف انجاز تحقق لها في موضوع النفايات والبناء على هذا الانجاز في روزنامتها المستقبلية. فحتى بالنسبة الى غلاة الداعمين للتحرك المدني ومن بينهم ديبلوماسيون يرون في التعبير الشبابي المدني والسلمي وسيلة ديموقراطية ضاغطة على الحكومة والسياسيين من أجل القيام بواجبهم وعدم التقاعس بذريعة تقديم اولوية مصالحهم المباشرة على مصالح الناس وفق ما بات عليه الوضع السياسي، فان هؤلاء لا يخفون اعتقادهم بان التحرك المدني بدأ يفقد زخمه على رغم نجاحه في عبور امتحانات صعبة في الاسابيع الاخيرة. فما تم توقعه من هذا التحرك لا يتصل لا بالتشجيع على الانقلاب على السلطة أو تفجير ثورة داخلية ولا الاندفاع نحو فوضى قد تودي بالبلد الى المجهول، بل جل ما تم توقعه هو أن يساهم الضغط المدني وديناميته في تحريك المواطنين على اساس غير سياسي وغير طائفي من أجل تكوين ما يمكن أن يعتبر قوة ثالثة يحتاج اليها البلد من جهة وتساهم في الضغط على السياسيين من أجل تصويب ادائهم والتنبه اكثر الى مصالح المواطنين. وفيما وظف كثر التشجيع الديبلوماسي للدينامية الشبابية على أن ما يحصل هو بتمويل من بعض السفارات ولأهداف سياسية مشبوهة، لا يخفى انه تم تضخيم هذه المسألة واستمر التعويل على حركة شبابية يمكن أن تحسن استقطاب اللبنانيين من أجل توظيف التحرك خارج الاطار الطائفي والحزبي لمصلحة قوة تتجاوز هذه الاعتبارات ويمكن أن تنمو من أجل أن تأخذ مكانها حين يحين الوقت.

ما يتصل باحتمال فقدان الحركة الشبابية بوصلتها وأدى الى تضاؤل زخمها وقدرتها على استقطاب المواطنين كما حصل في 29 آب الماضي يندرج في اداء مرتبك كان من ملامحه الدخول الى وزارة البيئة بهدف الاعتصام فيها وإرغام وزير البيئة على الاستقالة. يحتاج الشباب المضربون عن الطعام حتى الحصول على استقالة وزير البيئة الى مخرج للعودة عن اضرابهم علماً أن خطوتهم في الاساس غير قوية من حيث أن الاضراب عن الطعام أمر مهم جداً انما لقضية مهمة يمكن أن تؤلب الناس من حولهم من أجل دعمهم كقضية حريات أو ما شابه على هذا المستوى. وبات واضحاً أن المخرج المطلوب لن يكون ممكناً باستقالة الوزير محمد المشنوق في حين أن لقاء المضربين معه كان يمكن أن يساهم في إيجاد حل ما علماً أن التحرك الشبابي فقد الفرصة في توظيف الخطة التي قدمها الوزير أكرم شهيب من أجل معالجة موضوع النفايات على انها من نتاج حركتهم. فالوزير شهيب قدم لهم ما تم التوصل اليه على انه من ثمار تحركهم، وهي نتيجة مرضية من أجل التوقف عن الاضراب عن الطعام مثلاً والإعلان عن الانتقال الى مراقبة التنفيذ علناً جنباً الى جنب مع الانتقال الى بند آخر من بنود المطالبات الاجتماعية الحياتية بعدما تم التوصل الى انجاز حقيقي لم يتم التعامل معه على انه كذلك. فثمة نجاح آخر حققه التحرك وهو دعوته الى أن يكون شريكاً في ايجاد الحلول على طاولة وزير البيئة اي شريكاً في القرار والحل. وهي خطوة جيدة جداً بالنسبة الى التحرك تضاف الى وعي الطبقة السياسية أن القمقم فتح على تحرك لن يتم اسكاته أو تجاهله بسهولة في الوقت الذي باتت الرهانات عليه قوية من أجل المتابعة بروزنامة عمل اجتماعية حياتية يستطيع من خلاله الإبقاء على التفاف الناس حوله باعتبار أن اي انزلاق الى اي بند سياسي سيؤدي الى انفراط عقد من تجمعوا حوله لأسباب طائفية وحزبية وسياسية معروفة على غرار ما حصل في المحطات التي تلت 29 آب واهمها تلك التي حصلت يوم انعقاد الجلسة الاولى من الحوار في مجلس النواب. يضاف الى ذلك أن اليسار السياسي الذي حاول توظيف التحرك المدني لمصلحة شعاراته وأهدافه حضوراً ومشاركة وشعارات سياسية قد افرغ أو يكاد يفرغ التحرك المدني من شموليته اللبنانية من خلال قولبته سياسياً في اتجاهات معينة.

في التقويم الذي ينبغي أن يأخذه التحرك المدني في الاعتبار انه لم يعد ينطبق على ما يقوم به صفة العفوية والانفعال. ولذلك كان يمكن أن تتجه الامور الى التنظيم المدروس واحداث صدمة لدى السلطة كما لدى الناس، ولكن ثمة شكوكاً في أن تبقي “الغارات” التي تستهدف الوزارات على وهج التحرك بعد فشل الاعتصام في وزارة البيئة وهي لم تكن اصلاً خطوة ناجحة من أجل محاولة تكرارها. يومها خسر التحرك نصف داعميه وهو على طريق خسارة مزيد في ظل الاسلوب نفسه. فاقفال الطرق من أجل تحفيز الناس على الدعم اظهر عقمه بدليل انه يثير سخط المواطنين وغضبهم ولم يعد يثير تضامنهم. والمطلوب أن يدرس المنظمون خطواتهم ومطالبهم من ضمن ما يمكن أن يضمنوا تحقيقه لكي يضمنوا نجاحهم في الوقت نفسه كما حصل في موضوع النفايات تحت طائل أن تذهب المطالب المستحيلة سدى في ظل عدم قدرة الطبقة السياسية على تحقيقها أو حتى قدرة الشباب على تغيير الطبقة السياسية راهناً ما لم تكن المطالب السياسية تخدم اطرافاً سياسيين في ظل الصراع القائم في البلد.