IMLebanon

جنود غير مجهولين

 

 

في يومهم العالمي، تحيةً إلى أبطال الدفاع المدني ورفاقهم في فوج الإطفاء الذين يحملون دماءهم على أكفّهم ويقتحمون الصِعاب في المدن والأرياف وفي الأحراج ليُهمِدوا حرائق تندلع وينقذوا أرواحاً وتائهين في الجبال والوديان وحتى البحر.

 

قُدِّر لي أن أتعرّف على الدفاع المدني أيام كان العميد الطيار الأخ الصديق درويش حبيقة مديراً عاماً لهذه المؤسسة الوطنية، فشاهدتُ عن كثب وشهدتُ للحقيقة عن نشاطهم وتضحياتهم وبأسِهم. قد لا يعرف اللبنانيون أنّ الأكثرية الساحقة من هؤلاء الرجال هم من المتطوّعين. وقد ناضل حبيقة جدياً، بكلّ ما للكلمة من معنى، للإرتقاء بهذه المديرية العامة إلى أعلى مستوى بالرغم من الإمكانات المحدودة جداً آنذاك، ولا شكّ في أنّ المدير العام الحالي العميد ريمون خطار أضاف في مجال التجهيز والتطوير.

 

لم يمرّ على وزارة الداخلية وزيرٌ، وبالتحديد من الرئيس الراحل المرحوم ميشال المرّ حتى اليوم، إلا تعهّد بإيصال متطوّعي الدفاع المدني إلى أدنى حقوقهم التي حُرموا منها عقوداً طويلة. وأذكر أنّ زوّار لبنان من قيادات وإدارت ومؤسسات الدفاع المدني لم يكونوا يُصدّقون أنّ ما يحققه هؤلاء من مهامّ، بعضها شبه مستحيل، مجاناً لوجه الله، وكانوا يُعربون عن إستغرابهم ودهشتهم لأنهم يتفانون في العمل من دون أيّ تعويض أو مرتّب. علماً أنّ الدفاع المدني اللبناني مؤسسة عريقة وترأس أحد مدرائها السابقين العميد بهيج بحليس منظمة الدفاع المدني العالمية.

 

لماذا يتعرّض متطوّعو الدفاع المدني لهذا الظلم؟ من أسف أنّ الجواب على الطريقة اللبنانية: حيناً لادّعاء فقدان التوازن الطائفي، وتبيّن أنّ هذه الذريعة غير صحيحة، فالمتطوّعون من المناطق والمدن والبلدات والقرى كلّها تقريباً، وبالطبع من الأطياف اللبنانية كلّها، وحيناً آخر لعدم توافر الإعتمادات. وهذه «النغمة» تعود إلى تسعينات القرن الماضي يوم كانت مالية الدولة بخير، في الظاهر على الأقلّ، وليست كما هي اليوم خاوية فارغة.

 

إنّ ما ينفّذه هؤلاء المتطوّعون ورفاقهم ليس عملاً في الخفاء، إنه واضحٌ وضوح الشمس لذلك أسميناهم بالجنود غير المجهولين. فأدنى واجبات الدولة والمجتمع اللبناني عامةً أن يحقّقا لهم مطلبهم المزمن وهم من أبناء هذا الشعب معاناتهم من معاناته وربما أشدّ كونهم يؤدّون أصعب المهام وأخطرها على امتداد الساعة «من دون قرش أو مِصرية». والأبعد مدى من ذلك كلّه أنهم ورفاقهم في فوج الإطفاء قدّموا كواكب من الشهداء من الذين سقطوا خلال تنفيذ المهام وآخرهم الذين استُشهدوا في إنفجار المرفأ. وإذ نطلب الرحمة للشهداء عند ربّهم، فمن يرحم هؤلاء المُناضلين الذين لم يُقعدهم أيّ ظلمٍ أو عقوق عن تأدية واجب إنساني وطني إختاروه بإرادتهم.