Site icon IMLebanon

العصيان المدني السَّبيل الأمثل لإقصاء المستمسكين بالسلطة والنهوض بالوطن

 

 

إن الإقليمَ الذي نَعيشُ فيه ليسَ بوَطن، والكِيانُ الذي نحمِلُ جنسيَّتَهُ ليسَ بدَولَة، وليسوا بمَسؤولين أولئكَ الذينَ يَشغلونَ المناصِبَ السِّياسِيَّةَ فيها، كونهُم عَديمي المَسؤوليَّة. لُبنانُ الذي يدَّعي الكثيرون منا الانتِماء إليه ظاهريَّا، فيه الكثيرُ من السَّاسةِ ولكِنَّهُ يَفتقرُ إلى السِّياسيين، وفيه الكثيرُ من الرَّعايا ولكنَّهُ يفتقرُ إلى المواطنين؛ لأن السِّياسةَ علمٌ يتمحورُ حولَ إدارةِ شؤونِ الدَّولةِ وتسييرِ عملِ مؤسَّساتِها الدُّستوريَّة، وهذا يتطلَّبُ تحلّي المسؤولين في الدَّولةِ بروحٍ رِيادِيَّةٍ وخُبراتٍ عِمليَّةِ وإبداعٍ ورؤىً مُستقبليَّةٍ إصلاحِيَّةٍ، أمَّا من يتولى شؤون الدَّولةِ في لبنان فهم برَّاءٌ من كُلِّ ذلك، ولكنَّهم في المُقابلِ يُتقِنونَ مَهاراتِ تَرويضِ الشَّعبِ بما يَتطلَّبُهُ ذلكَ من فُنونِ المُراوَغَةِ والمُماحَكَةِ والمُناوَءَةِ والمُناكَفَةِ والاحتِيالِ والنَّهبِ والنَّصبِ والتَّخريب واقتِناصِ الفُرَصِ لأغراضٍ شَخصِيَّةٍ أنانيَّةٍ أو فئوِيَّةٍ على أحسَنِ تَقدير. والسِّياسيونَ عامَّةً هم مَسؤولون بطَبعِهم وطِباعِهم ومزاياهِم، أمَّا حُكَّامُنا فلا يَتحلَّون بشيء من المَسؤوليَّة، ولكِنَّهُم مَسؤولونَ بالتَّأكيدِ عن خرابِ الدَّولةِ وتقويضِ مُرتكزاتِها السياسيَّةِ ومُقوِّماتِها الاقتِصاديَّة، وتبذيرِ ثَرواتِها، وانهِيارِ عِملتِها، ونَهبِ خَيراتِها، والسَّطوِ على أملاكِها، وتَبذيرِ أموالِ المودعين، أما الشَّعبُ فغافلٌ عن واجِباتِه مُتنازِلٌ عن حُقوقِهِ المُنتهَكَةِ، قاصرٌ عن مُساءلةِ المُرتكبين.

تدعونا الموضوعيَّةُ للقَولِ بألاَّ موجِبَ لوَطَنٍ يَشعُرُ مواطِنوهُ بالغُربَةِ في كَنَفِهِ، وأن أحوالَهُم المَعيشِيَّةَ أَشدُّ سوءاً من النَّازِحينَ فيه، وشَبابُهُ يُهجَّرون قَسراً من ضَيقِ العَيشِ وانعِدامِ فُرَصِ العَمَل، ومَرضاهُ يفتقِدونَ إلى الاستِشفاءِ والطَّبابَة، وطُلاَّبُهُ وتلامذتُهُ يَتخلَّفُون عن مَتابعَةِ تَحصيلِهِم العِلمي لعَدَمِ قُدرَةِ ذويهِم على تأمين الأقساطِ المَدرسِيَّةِ والجامِعِيَّة؛ ويَعجَزُ فيه أربابُ الأسُرِ عن تأمينِ فُتاتِ العَيشِ لأبنائهِم، ويَعيشُ قاطنوهُ من دونِ كَهرباءٍ ولا ماء، ويَفتقِدُ أهلُهُ للأمنٍ والأمان. وهل يندرجُ في مصافِ الأوطان ذاك الكيانُ العاجزُ عن تأمينِ الحدِّ الأدنى من الكرامَةِ الإنسانيَّةِ لمُواطِنيه؟ طبعاً لا.

لا موجِبُ لدَولةٍ يَتآمَرُ حُكَّامُها على شَعبِها، ويفتقِدُ فيها أصحابُ القرارِ لروحِ المُبادرة، بوقوفِهم موقفَ المُتفرِّجِ على أزماتِها؛ ويَنهَبُ النَّافذونَ فيها أموالَ مُكافِحيها، ويُبَذِّرُ فيها أمينُ المالِ لاحتياطِها النَّقدي. ولا موجِبُ لسُلطَةٍ مُتناكِفَةٍ في ما بينها، متَآمِرَةٍ في الوقتِ عينه على الشَّعبِ، وتمعِنُ في انهِيارِ مؤسَّساتِ الدَّولَة، وَجُلَّ ما يقومُ به شاغلو المناصِبِ فيها التَّسكُّعُ أمامَ الدُّولِ والمؤسَّساتِ الماليَّةِ الدَّوليَّةِ لشحذِ المُساعداتِ واستِجداءِ القُروضَ تَمهيداً لتَبديدِها أو اختلاسِها؛ ولا حاجةَ لِحُكَّامٍ عَديمي الحِسِّ بالمًسؤولِيَّةِ الوَطنِيَّة ويفتقدون للانتِماءِ الوَطَني ولا يُدينون بالولاءِ للوَطن، لأن ولاءَهُم إما خارِجيَّاً وإما فئويَّاً. ولا حاجةَ لوزراء غير مُدرِكينَ لشُؤونِ وزاراتِهِم، وغيرِ مُلمينَ بمَهامِهِم وواجِباتِهم، ولا يُنَفِّذونَ سوى ما يُمليهِ عليهم أولياءُ نِعمتِهم، ويتلافونَ القيام بأيَّةِ مُبادرَةٍ أو اتِّخاذِ موقِفٍ يُعبِّرُ عن قناعتِهم خِشيَةَ توجيه اللَّومِ لَهم من مَرجَعيَّاتِهِم. ولا حاجَةَ لنُوَّابٍ لا يَحترِمونَ إرادةَ الشَّعبِ الذي انتَخَبَهُم، ولا يَفقهونَ التَّشريع، ويَستَنكِفونَ عن انتِخاابِ رَئيسٍ للدَّولَة، ولا يُقرُّونَ المُوازَناتِ السَّنَوِيَّةِ في مواعيدِها، ولا يُجرونَ عَملِيَّةَ قَطعِ الحِساب في أوانِها، ويُفسِّرونَ الدُّستورَ على خِلافِ مَقاصِدِه، ويَتَخلَّفونَ عن القِيامِ بدَورِهِم الرِّقابي، ولا يُسائلونَ السُّلطةَ التَّنفيذيَّةَ عن تَقصيرِها وارتِكاباتِها بل يُشارِكونَها أداءَها ويُشرِّعونَ انتِهاكاتِها.

ولا موجِبَ لجهازٍ قضائيٍّ غير قادرٍ على تَحقيقِ العدالة، لأن العدالةَ تتطلَّبُ شفافيةً ونزاهةً وشجاعةً وشَهامَة، وهي لا تَتَحَقَّقُ البتَّةَ في التَّشدُّدِ في الصَّغائرِ والتَّعامي عن الكَبائر، ولا بمُلاحَقَةِ حاجِبٍ من هنا أو مُستكتِبٍ من هناك وأمثالِهِم مِمن لا يَملُكونَ صلاحِيَةَ التَّوقيع على أي مُستَند، ولا بتَوقيفِ من تَقاضَى إكرامِيَّةً لِقاءِ تَغليفِ سَندِ مُلكِيَّةٍ أو طَبْعِ رُخصَةِ  سَيرِ آليَّةٍ وإجازةِ سَوق أو تَسليمِ إفادَةٍ أو تَصويرِ مَلفٍّ أو للتَطاولِ على حاكِمٍ أو زَعيم فاسِد. تحقيقُ العدالةِ يَكونُ بكَشفِ كُبرياتِ الجَرائمِ وأفظَعِها بدءاً بجرائمِ الفسادِ مُروراً باختِلاساتِ بنكِ المَدينَةِ والسَّطوِ على أملاكِ الدَّولَةِ العامَّة، ونَهبِ ثَرواتِها وتبديدِ احتياطِها من العُملاتِ الصَّعبَةِ، والتَّصرُّفِ بأموالِ المودِعين وتَفجيرِ مَرفأ بيروت، وجرائمِ المُضارَباتِ غير المَشرعة على السِّلعِ المدعومة والتَّهرُّبِ الضَّريبي والتَّهرُّب الجُمركي، كما يكونُ بمُلاحَقَةِ كِبارِ المُسؤولين المُرتكبينَ والمُتمَولين والمُساهِمين في المَصارِفِ مِمن تآمَروا على العِملةِ الوَطنيَّة بتَهريبِهِم الأموالَ إلى الخارِج وانتِهاءً بمُعطّلي المؤسَّساتِ الدُّستوريَّةِ ومعرقلي إنجازِ الاستِحقاقاتِ الوَطنيَّةِ الهامَّة. ذاك أن تحقيقَ العدالةِ يَقتَضي السَّعيَ إلى إحقاقِ الحَّقِّ أينما تُنتهكُ الحُقوقُ وتُخرَقُ القوانين، وهذا يَتَطلَّبُ قدراً كافياً من الشَّفافيَة، والنَّزاهَةِ وحدَّاً أدنى من الشَّجاعَة والشَّهامَةِ وبذل الجُهد الكافي في مُتابَعَةِ المَلَفَّاتِ القَضائيَّة لا بالسَّعي إلى التَّمايُز.

والشَّفافيةُ لا تقتصرُ على نَشرِ الأحكامِ، والنَّزاهَةُ لا تتمثَّلُ في التَّعفُّفِ عن المُغرَيات؛ والشَّجاعَةُ لا تكونُ في إصدارِ البيانات، والشَّهامَةُ لا تكون في الاعتِكافِ في المَنازِل؛ وليس من قَبيلِ الشَّفافيَةِ والنَّزاهةِ والشَّجاعةِ والشَّهامةِ بشيء الوقوفُ موقِفِ المُتفَرِّجِ تِجاهَ كُلِّ الانتِهاكاتِ الصَّارِخَةِ التي تحصلُ في لبنان والمُتمثِّلةِ في خرقِ الدُّستورِ ومَخالَفَةِ القَوانين النَّافِذَة، ولا في اعتِمادِ سِياسَةِ دَفنِ الرؤوسِ في الرِّمال عندما يكون المَعني مَسؤولاً حصراً عن تحقيقِ العدالة. ذلك أن الشَّفافيَةَ تَتمثَّلُ في مُقاربَةِ جَميعِ الملفَّاتِ دون استِثناء، والنَّزاهَةُ الحِقَّةُ تَكمُنُ في الاحتِكامِ إلى الضَّمائرِ والامتِناعِ عن مُسايَرَةِ المُمسِكين بزِمامِ السُّلطَة، والشَّجاعةُ تكمنُ في اتِّخاذِ المواقِفِ الصَّلبَة والقراراتِ والأحكامِ الجريئة، والشَّهامةُ تكمنُ في القِيامِ بالواجِباتِ المُلقاةِ على العاتِقِ كامِلَةً، وفي مُقدِّمتِها تَحريكُ الملفاتِ الجَزائيَّة، وإماطَةُ اللِّثامِ عن مُلابَساتِ الجَرائمِ الهامَّة، وكَشفُ هَوِيَّةِ المُجرِمين الحَقيقيينَ المُساهِمين في تلك الجرائم، والإدِّعاءُ على كِبارِ المُجرمين واتِّخاذُ ما يَلزَمُ من تَدابيرَ للحُؤولِ دون فرارِهِم وتَفلُّتِهِم من العِقاب.

إن استِعادةَ الوطنِ وإعادةَ بناءَ الدَّولةِ وترميمَ قِطاعِها العامِّ بكُلِّ مُكوِّناتِه، يتطلَّبُ انتِفاضةً على الذَّاتِ أولاً ومن ثمَّ على مُستوى كُلِّ مكوِّنٍ من مُكوِّناتِ القِطاع العام، وليكُنِ التَّركيزُ على تحقيقِ العدالةِ، وصَونِ الوَطن، وتوفيرِ الأمنِ للمُواطِن، وتأمينِ سائرِ الخَدماتِ الأساسِيَّةِ لكافَّةِ المُقيمين في إقليمِ الدَّولة.

إن تحقيقَ العدالةِ أضحى يَتطلَّبُ استِعادةَ الهيبةَ للجِسمِ القَضائي واستعادةِ بناءِ الثِّقةِ بالقُضاةِ من خِلالِ رَفضِ التَّدخُّلِ في مَسؤوليَّاتِهم والملفاتِ التي ينظرون فيها، والإقلاعِ عن تَهميشِ الشُّرفاءِ منهم بإقصائهِم أو التَّطاولِ على صَلاحِيَّاتِهِم، وعلى القُضاةِ أنفُسِهِم التَّحلي بالمَسؤوليَّةِ وعدمِ التَّلهي ببلاغاتِ التَّحري ومُذكَّراتِ التَّوقيفِ الغِيابيَّةِ وإخلاءاتِ السَّبيلِ، بل العزمُ على مُداهَمَةِ مَقارِّ كِبارِ المُجرِمين، وتفتيشِ قُصورِهِم الفارِهَة، وتعريتِهم أنَّا كانت ألوانُ ياقاتِهِم الحِزبيَّةِ المذهبيَّةَ التي يَستَظِلُّونَ بظِلِّها: صَفراءَ أو بيضاءَ أو زَرقاءَ أو حَمراء، أو بَنفسَجِيّةٍ أو باذنجانيَّةٍ… الخ، وتوقيفِهم رَغمَ حراساتِهِم الأمنيَّة، والحَصاناتِ التي يَتلطُّونَ خَلفَها.

إن الواجِبَ الوطني يُملي على القُضاةِ الشُّرفاءِ التَّرفُّعَ عَما حَصلَ ويَحصَلُ داخِلَ الجِهازِ القضائي من مُناكَفاتٍ ونِكايات شوَّهت صورةَ هذا السِّلك، وحالت دونَ مُتابَعَةِ السَّيرِ في الملفَّاتِ الجزائيَّةِ إلى خَواتيمِها المَرجوَّة. كما يُملي عليهم اعتِباراً من اليومِ الإقلاعَ عن كُلِّ أشكالِ الاعتكافِ والاستِنكافِ والتَّنَحي غيرِ المُبرَّر عن القَضايا الواقِعَةِ ضِمن صلاحِيَّاتِهم المكانيَّةِ واختِصاصِهِم النَّوعي، ولتبقى الملفَّاتُ القضائيَّةُ مَفتوحَةً، وإجراءاتُ المُلاحقةِ والمُحاكمةِ مُتواصِلةً ومُتتابَعَةً إلى حينِ البَتِ نهائيَّاً فيها، وألاَّ يَنتظرونَ قُدومَ لِجانِ تَحقيقٍ أجنبِيَّةٍ ومُحَقِّقينَ أجانِب إلى عَقرِ دارِهِم ليحلّوا مَحلَّهُم ويُحَقِّقوا في جَرائمَ ارتُكِبت في وَطنِهم ومن مَحضِ اختِصاصِهِم، رغمَ عِلمِهم بأنَّها تَنطوي على انتِهاكاتٍ فاضِحَةٍ للقَوانينِ النَّافِذَةِ في بَلدِهِم.

إن صَون الوطنَ والزَّودِ عنه لا يكون بالتآمُرِ على الجيشٍ داخِليَّاً بالتَّجويعِ تارَةً وبإلهائهِ بأمورِ خارجَ نِطاقِ صلاحِيَّاتِهِ تارةً أُخرى أو بتَشتيتِ قواه بين الأحياءِ والأزقَّة، وإلهائِهِ بلَعِبِ دَورِ المُصلِحِ بين أبو حَسين المُقيمِ في الشِّياحِ وأبي طوني المُقيم في عين الرِّمانة، أو بين أبو عبَّاس المُقيم في بَعل مُحسِن وأبو عُمَر المُقيم في بابِ التِّبانَة… الخ.. لا موجِبَ لجيشٍ دورُهُ هامِشيٌّ أو ثانوي في حِمايةِ حُدودِ الوَطن والدِّفاعِ عنه، مهما بذلَ من جُهدٍ في إرساء الأمنِ ومُلاحَقَةِ المطلوبين للعدالةِ وتُجارِ المُخدِّرات؛ صونُ الوطنِ يتطلَّبُ جيشاً مُتفرِّغاً لواجِبِهِ الوَطني من خِلالِ الانتِشارِ على الحُدودِ والزَّودِ عن الوَطنِ بالتَّصدي للاعتِداءاتِ الخارِجِيَّة، مُنكبٌّ على تَعزيزِ قُدراتِه الدِّفاعِيَّةِ التَّدريبِ المُستمِرِّ وتَصنيعِ المُسيَّراتِ والصَّواريخِ الذَّكِيَّةِ والذَّخائرِ وكُلِّ ما يُسهِمُ في الزَّودِ عن الوَطن.

إن تحقيق الأمنِ لا يكون بمنعِ الاستشفاءِ عن العناصِر الأمنيَّة، ولا بتقديمِ خَدماتٍ أمنيَّةِ مَجانيَّةٍ للشَّخصِيَّاتِ السِّياسِيَّةِ وغيرِ ا السِّياسِيَّة، وحراسَةِ القصورِ والمَنازِلِ الفارِهةِ الخاصَّةِ بكِبارِ المسؤولين الحاليين أم السَّابقين في الدَّولةِ والنَّافذين فيها، أو بتسييرِ المواكِبِ الإستِعراضيَّةِ ولا بالمُرافَقين الذين يُتقنونَ الهَوبرات. لا موجِبَ لقِوى أمنيَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ مُتنوِّعَةِ الاختِصاصِ في بلدٍ صَغير تُحاولُ تعظيمَ مُنجزاتِها، وفي الوقتِ عينِه تقفُ عاجِزَةً عن مُكافَحَةِ الجَريمةِ وتوقيفِ المَطلوبين للعَدالةِ ومنعِ الأنشِطَةِ غيرِ المَشروعةِ بكُلِّ أشكالِها وصُوَرِها، إن تحقيقَ الأمن يكونُ بتركيزِ الجُهدِ على حِمايَةِ الأملاكِ العامَّةِ والخاصَّةِ وتوفيرِ الأمنِ والأمانِ لجَميعِ المواطِنينَ على قَدرِ المُساواةِ، والتَّركيزِ على مُكافَحَةِ الجَريمَةِ ومُلاحَقَةِ المُجرِمين وتوقيفِ المَطلوبينَ للعدالَة. خاصَّةً وأنه من غير الإنصافِ أن يتحمَّلَ الفُقراءُ أكلافَ حِمايَةِ قُصورِ المُترفين، وهُم ومُمتلكاتُهُم وحقوقُهُم عُرضةً لمُختلِفِ أنواعِ الانتِهاكاتِ الجُرمِيَّة.

إن قيامَ الدَّولةِ بواجباتِها تجاهَ مواطنيها لا يكون بالامتِناعِ كُلِّيَّاً أم جزئيَّاً عن توفيرِ الخدماتِ الأساسيَّةِ لهم، أو بإذلالِهم للحُصولِ عليها، إذ لا موجِبَ لقِطاعٍ عامٍّ بما فيه من هيئاتِ ومَجالِسَ وإداراتٍ رَسمِيَّةٍ ومؤسَّساتٍ عامَّةٍ… الخ إن لم يَكُن قادِراً على توفيرِ الخَدماتِ للمَواطنين والمُقيمين في الدَّولةِ بجَودَةٍ عاليةٍ وبوقتٍ مَعقولٍ، بدءاً بالتَّعليمِ مُروراً بالخَدماتِ الصُّحِّيَّة وسائرِ الخَدماتِ التي يُحجِمُ القِطاعُ الخاصُّ عن تَلبيَتِها، وانتِهاءً بتَحصيلِ الضَّرائبِ والرُّسوم… الخ. وهذا يَتطلَّبُ التَّقيُّدَ بمعاييرِ الشَّفافيةِ والكفاءةِ والمُساءلةِ، والامتناعِ عن إبعادِ أو تهميشِ ذوي الكفاءةِ والجدارةِ والاستِعاضَةِ عنهم بجيوشٍ من المَحظِيين غيرِ الكَفوئين مِمن دُسُّوا في وَحداتِ القِطاعِ العامِّ بأساليبِ مُلتَوِيَةٍ وخارِجَ إطارِ القَوانين النَّافِذَةِ تحت مُسمَّياتٍ مَختلِفَة «مياومين، مَتعاقدين، مُستَعان بهم، وغيرُ ذلك من مُسمَّيات».

إن الوطنَ الذي ننتمي إليه لم يعُد مؤهّلاً لكي نستظِلَّ بِظِلّه، والدَّولةَ التي نعيشُ تحت كنفِها أضحَت بوَضعٍ آيلٍ للسُّقوط. وإن النُّهوضَ بالوطنِ كما استِعادةَ هيبةِ الدَّولةِ ومَكانتِها أضحَيا من الأُمورِ غيرِ المَقدورِ عليها ما لم يُصَر إلى تَدارُكِ المزيدِ من الإنهيارِ وعلى وَجهِ السُّرعَة، وهذا يتطلَّبُ العملَ سريعاً على إبعادِ من أوصَلتنا مُمارساتُهُم السِّياسِيَّةُ إلى المأزَقِ الذي نَتَخَبَّطُ فيه، والمُبادَرَةِ سريعاً إلى إقصاءِ المُمسِكين بالسُّلطَة، وّاستِنهاضِ الهِمَمِ وتَسخيرِ كُلِّ الإمكاناتِ للنُّهوضُ بالوَطن. وهذا يَتطلَّبُ رؤىً وجُهوداً وتَضحِيات، واعتِمادَ نُهُجٍ تغييريَّةٍ واستِبعادَ كُلَّ أنماطِ المُقارباتِ التَّقليديَّةِ التي ثبُتَ فشلُها وأودَت بالوَطنِ إلى ما هو عليه.

إن إقصاءَ الفاسدين كما الفاشلين عن مناصِبِهِم والمَواقِعِ المُتَشبثينَ بها لم يَعُد خياراً بل واجِبٌ وطني، يبقى البحثُ في تحديدِ الخَياراتِ المَشروعةِ المُتاحة، والتي تتصدَّرُها الوسائلُ السِّلميَّةُ التي ينبغي عدمُ إغفالِها وإن فَشِلت جميعَ المُحاولاتِ السَّابقةِ من تَظاهُراتٍ واعتِصاماتٍ وتَجمُّعاتٍ احتِجاجِيَّةٍ في إقناعِ المُستَمسكينَ في السُّلطةِ بالتَّنحي عن مواقِعِهم ومناصِبِهم أو في دفعِهم إلى ذلك؛ ثمَّةَ وسائلَ سِلمِيَّةٍ أخرى ينبغي اللجوء إليها، وأفعلُها العِصيانِ المَدَني الشَّامِل، هذا الأمرُ وإن يكن مُناطاً بالشَّعبِ اللبناني بمُختلِفِ مُكوِّناتِه، إلاَّ أن للمُوظَّفينَ العُموميين دوراً رياديَّاً في وَضعِهِ موضِعَ التَّنفيذ لأنَّهم ليسوا عبيداً للحُكَّامِ إنما خادِمينَ للوَطن، والموظَّفون المُتقاعِدون من جَميعِ الأسلاكِ (عَسكرِيَّة، أمنيَّةِ، مَدَنِيَّة) مُطالبون في لعبِ دورٍ مِحوري ريادي، لأن واجِبَهُم الوَطنِي لا يَقِفُ عند بلوغِهِم سِنَّ التَّقاعُد.

إن المُتقاعدين من مُختلفِ الأسلاكِ الوَظيفِيَّةِ مُطالَبونَ اليومَ بِرَصِّ صُفوفِهِم، وتوحيدِ جُهودِهِم، والتَّخطيطِ المُسبَقِ لخَطواتِهِم،  والتَّحضيرِ جَيِّداً لتَحرُّكاتِهِم، والتَّنسيقِ المُتواصِلِ في ما بينَهُم، وعليهم أن يكونوا نَواةً صالِحَةً لإحياءِ التَّحرُّكاتِ الشَّعبِيَّةِ في السَّاحاتِ العامَّة، والتَّنسيقِ مع مُختلِفِ مُكوِّناتِ الحِراكِ الشَّعبي لاستِقطابِ الحُشودِ مُجدَّداً وإعادَةِ النَّبضِ إلى الانتِفاضَةِ الشَّعبيَّةِ والارتقاءِ بها إلى مَصافي الثَّورةِ من خِلاِلِ تَبني إيديولوجِيَّةٍ جامِعَةٍ وبلورَةٍ رؤيَةٍ تَغييريَّةٍ مُتكامِلَةٍ، وصياغةِ خطَّطٍ تنفيذيَّةٍ لها.

أما الموظَّفونَ العامِلون (في الخِدمَةِ الفِعلِيَّة) والذين تَقتضي واجِباتُهُم الوَظيفِيَّةُ مُلازَمَةَ مراكِزِ عَملِهِم، فإن واجِبَهم الوَطَني يَقتَضي منهم عند الإعلانِ عن ساعَةِ الصِّفرِ في تَنفيذِ العُصيان المَدني، أن يَتوقَّفوا نِهائيَّاً عن تَسيير الأعمالِ المُناطَةِ بهم، والاكتِفاءِ بما هو ضَروريٌّ ومُلِحٌّ لأسبابٍ إنسانِيَّة، بغرَضِ شلِّ كُلِّ القِطاعات، وتَعطيلِ جَميعِ المؤسَّساتِ، وبموازاةِ ذلك لا مناصَ للشَّعبِ من أن يستعيدَ زِمامَ الأُمورِ باعتِبارِهِ مصدَرَ السُّلُطاتِ بالنُّزولِ إلى السَّاحات العامَّةِ وملئها بالحُشودِ البشريَّةِ، وشَلِّ حَركةِ السَّيرِ على الطُّرقاتِ إلى أن يُقدِمَ الحُكُّامُ على التَّنحي جانِباً أو إلى أن يُصارَ إلى إسقاطِهِم، وإتاحَةِ الفُرصَةِ أمام القِوى التَّغيريَّةِ لإعادَةِ تكوينِ السُّلطَةِ من جديدٍ وَفقَ أُطُرٍ دُستورِيَّةٍ ديمقراطِيَّة.

إن مُبادَرتَنا هذه بمثابةِ دعوةٍ مَفتوحَة للمناقشةِ أمام كُلِّ الوَطَنِيينَ الشُّرَفاء.