تقدّم بعض النواب باقتراح قانون مدني مقنّع للأحوال الشخصية، تحت مُسمّى قانون موحّد للأحوال الشخصية، انتقدوا بأسبابه الموجبة استئثار الطوائف بنطاق الأحوال الشخصية وحؤولها دون إصدار قانون مدني عام، واعتبروا بأنّ قوانين الطوائف تظلم المواطنين باسم الله، وتسلبهم القدرة على مراجعتها، مما أفسد النظام اللبناني وجعله عائقاً أمام بروز قيم المواطنة. وفرضوا بموجب المادة الأولى المستهجنة من مشروع القانون الذي يوحّد الأحوال الشخصية في لبنان، أن يخضع لأحكامه جميع اللبنانيين المقيمين على الأراضي اللبنانية، واللبنانيون الذين عقدوا زواجاً مدنياً أصولاً في الخارج، والأجانب الذين يقيمون في لبنان والذين يخضعون في بلادهم للقانون المدني. كما فرضوا بموجب المادة الثانية من المشروع أن يٌعقد الزواج أمام رئيس مأمور النفوس في القضاء الذي يقيم فيه أحد الزوجين بناءً على الاتفاق بينهما، مجيزين القيام بالمراسيم الدينية الاحتفالية بالزواج، على ألا يكون لهذه المراسم أية مفاعيل على عقد الزواج، الذي هو العقد الرسمي الصادر عن وزارة الداخلية والبلديات، وفقاً للنموذج المعتمد من قبلها. كما فرضوا بموجب المادة الرابعة من المشروع أن يطبّق القانون الجديد أمام المحاكم المدنية المختصة عملاً بالصلاحية المقرّرة في قانون أصول المحاكمات المدنية. واعتبروا بموجب المادة السادسة من المشروع أنّ الزواج هو عقد مدني رسمي، يهدف إلى إنشاء حياة مشتركة.
وهكذا فإنّ الزواج الذي تنص عليه المادة الثانية من مشروع القانون الموحّد للأحوال الشخصية، هو ذاته الزواج المدني الذي ينظر إليه على أنه مؤسسة اجتماعية من نتاج القانون الوضعي، وهو محض مدني يحصل أمام السلطة العامة في شكل رسمي احتفالي ويجرى بتدخل أحد موظفي الأحوال الشخصية، وليس فقط لتنظيم وثيقة بحصوله، بل لتأكيد شكله. والزواج المعتمد في القانون الموحّد للأحوال الشخصية، تغلب عليه الصفة التعاقدية من حيث اجتماع إرادتي الأشخاص الراغبين ببعضهما البعض، وتتوفّر فيه شروط العقد المدني من الأهلية وبلوغ السن القانونية والرضى. كما أنّ هذا العقد إذا ما أُقرّ بشكله الحاضر، يُمكن أن يَدخل على مادته السادسة تعديلاً بسيطاً جداً، لا يعود بموجبه للاختلاف الجنسي مانع من إبرام عقد الزواج، لتشريع الزواج المعقود بين المثليين، كما جرى في الدول الأجنبية، لا سيما هولندا التي كانت أول من أجاز للمثليين بعقد زيجات قانونية أمام المراجع المختصة وتبنّي أطفال من أبوين من نفس الجنس، وذلك لتمكين مثليي الجنس من الاستفادة من الحقوق نفسها التي يتمتع بها أي زوجين من جنسين مختلفين.
وبالتالي، فإن هذا الزواج لا ينسجم مع الزواج الشرعي من حيث المضمون، لكون الزواج الديني يتركز على أسس دينية وعقائدية لا يمكن تجاهلها، حيث لا يجوز للمسلمين شرعاً أن يعقدوا زواجهم خلافاً للأصول التي رسمتها الشريعة الإسلامية، وأن ينظر في مدى صحته ومفاعيله محاكم مدنية. فالمحاكم الشرعية يجب أن يكون لها صلاحية النظر في نتائج كل زواج إذا كان الزوجان من مذهبها وأحدهم على الأقل لبنانياً، لا بل حتى الآن إذا عُقد زواج مدني ما بين مسلمين لبنانيين في الخارج، فإنّ القانون الموحد للأحوال الشخصية ينسف أحكام المادة 18 من قانون تنظيم القضاء الشرعي الصادر في 16/7/1962 والتي تمنح المحاكم الشرعية صلاحية النظر في نتائج هذا الزواج ضمن الشروط التي تنص عليها، حيث جاء فيها:« يمتنع على المحاكم الشرعية رؤية الدعاوى والمعاملات بحق الأجانب من مذهبها التابعين لبلاد تخضع فيها الأحوال الشخصية للقانون المدني، ما لم يكن أحد الزوجين لبنانياً حيث الدعاوى والمعاملات خاضعة لاختصاص المحاكم الشرعية». فلنفترض أنّ مسلمة تزوجت من فرنسي أشهر إسلامه، فبالرغم من أن الفرنسي يتبع للحق المدني في مسائل أحواله الشخصية، فإنّ المحكمة الشرعية اللبنانية تكون صالحة للنظر بالنزاع إذا وقع بين الزوجين، لأن أحدهما لبنانية وهي الزوجة، وكلاهما من مذهب المحكمة الشرعية. (لطفاً مراجعة مجلة العدل، ص 135، حكم محكمة بداية بيروت، غرفة خامسة، قرار رقم 55، تاريخ 3/6/1977).
أما على الصعيد الروحي، فإنّ القانون الموحد للأحوال الشخصية يتعارض مع أحكام المادة 16 من قانون 2/4/1951 على ما يلي: «يكون باطلاً كل زواج يجريه في لبنان لبناني ينتمي إلى إحدى الطوائف المسيحية أو الإسرائيلية أمام مرجع مدني»، حيث أن المحاكم الروحية لا تعترف بالزواج المدني، ولا تنظر في نتائجه مهما كانت ظروف انعقاده، إلا إذا عقد لديها وفقاً للأصول، كما هي حال المحاكم الدرزية.
لا بل إنّ مشروع القانون الموحّد للأحوال الشخصية يكفّ يد المحاكم الشرعية والكنسية حتى ولو تمّ إلحاق الزواج المدني بزواج كنسي، لأن المادة الثانية من المشروع تتضمّن حُكماً خبيثاً، إذ تنص على أنه إذا تمّ القيام بالمراسيم الدينية الاحتفالية بالزواج، فلا يكون لهذه المراسم أية مفاعيل على عقد الزواج، الذي هو العقد الرسمي الصادر عن وزارة الداخلية والبلديات. في حين أن السلطة التي تكرّس الزواج الآن هي التي تصبح الصالحة للنظر بنتائج هذا الزواج باعتبار أن الزواج الذي تكرّسه سلطة دينية يستتبع إعطاء هذه السلطة صلاحية النظر في المسائل الناتجة عنه، فإذا تمّ الزواج الأول مدنياً في الخارج وكُرس أيضاً بزواج ديني في لبنان، فإنّ الاجتهاد يعطي الصلاحية للمحاكم الدينية اللبنانية باعتبار أن ذلك يتوافق وروح التشريع اللبناني الرابط للأحوال الشخصية بالنظام الطائفي، وسواء تقدّم الزواج الديني أم تأخر عن الزواج المدني، وتكون العبرة من هذا التكريس للزواج الديني أفضليته على المدني، وبغض النظر عن جنسية العاقدين اللذين حضرا في لبنان واختارا نظامه الطائفي، حتى لو كانت الزوجة أجنبية لأنه بقبولها عقد زواجها في لبنان لدى سلطة دينية تكون قد أخضعت نفسها لأحكام الطائفة التي كرّست الزواج لديها. وقد قضت محكمة التمييز بتاريخ 15/10/1963 بصلاحية المحكمة المارونية في الخلاف الناشئ بين زوجين أحدهما لبناني والآخر أجنبي عقدا أولاً زواجاً مدنياً وكرساه دينياً في بيروت وبرضاهما ووفقاً لأحكام الطائفة المارونية. واعتبرت المحكمة أنها بتصرفهما هذا، إنما شكلا طرفي ارتباط أجدى وأقوى من الظروف العرضية العائدة للمكان الذي حصل فيه الزواج. (لطفاً مراجعة النشرة القضائية 1964، ص 63، ص 156-157).
صفوة القول، إنّ مشروع القانون الموحّد للأحوال الشخصية مرفوض جملةً وتفصيلاً، لأنه يفرض على المسلمين والمسيحيين في لبنان قانون زواج مدني تتعارض أحكامه مع تعاليم دينهم السماوي، بما يخالف أحكام المادة التاسعة من الدستور التي تنص على احترام الدولة لجميع الأديان والمذاهب وتكفلها حق إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها، واحترامها أيضاً لنظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية للآهلين على اختلاف مللهم. ناهيك عن أنّ هذا المشروع يحرم اللبنانيين من حقهم باللجوء إلى المحاكم الشرعية والكنسية، ويجبرهم على الخضوع لأحكام مدنية تخالف شرع الله وتحلّل الحرام وتُحرّم الحلال، وتُمهّد مستقبلاً لزواج المثليين، والاعتراف بحقوقهم بالتبني؛ فضلاً عن أن مشروع القانون يهدم نظام الإرث الشرعي، ويحرم القاصرين من حقهم بالزواج ولو كانت هنالك دواعي صحية، ويُشجّعهم على الزنا ،إذ يعترف بحق توريث أبناء الزانيين، ويفرض ضمناً على الزوج تطليق زوجته التي يظهر أنها لا تنجب، إذا كان يرغب بالأطفال، إذ إنه لا يسمح بزواج المسلم لامرأة أخرى بالرغم من وجود أسباب جدّية. وأخيراً يُرفض هذا المشروع لأنّه يتعارض مع قوله تعالى في الآيتين 47 و48 من سورة المائدة: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدّقاً لما بين يديه ومهيمناً عليه، فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق… وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليه}.