وكأنّ «ترف» الحوار حول الزواج المدني جاء بعدما أصبحت كلّ مشاكل اللبنانيّين محلولة، ولا نريد هنا أن نُعدّ أو نحصي، ولكن نتساءل لماذا ألقيت هذه القنبلة الدُّخانية «تسقيطة» على الفضاء اللبناني الذي وبدلاً من أن ينشغل بمتابعة الحكومة في يوم عملها الأوّل، انشغل «بلا زغرة» بالجدل حول الزواج المدني ومن مع ومن ضدّ، أليس في هذا حَرْف لانتباه اللبنانيّين عن الملفّات الأكثر إلحاحاً، توقيت فتح «بازار الزواج المدني»، وفي هذا التوقيت بالذات هدفه استنزاف الوقت والطاقة في ملف معروف وعمره من عمر حكومة الرئيس رفيق الحريري الأولى، هو أيضاً لم يكن ضدّ هذا الملفّ، والرئيس الراحل الياس الهرواي كان من أشدّ المتحمسين لإقرار الزواج المدني، وكاد الأمر أن يصل إلى خواتيمه إلى أن تيقّن يومها الرئيس رفيق الحريري أنّه مهما كانت كتفاه عريضتان فلا تكفيان لتمرير هذا الملفّ فسحبه الحريري الأب ووضع في الأدراج المغلقة.
برأينا المتواضع، وبوضوح شديد، ما يحدث ليس أكثر من مناورة إلهاء تشغل اللبنانيّين عن «البحلقة 24 ساعة» في الحكومة التي لا تملك خطة عمل ولا برنامج إصلاح، أساساً تركيبة هذه الحكومة لا تسمح بذلك، نحن بالكاد أمام حكومة «إقطع والصق» حتى لا نقول شيئاً آخر، كانت «تسقيطة» جيّدة خلف خطوط الشعب اللبناني الذي وقع في الفخّ وبالفعل من تابع قليلاً بالأمس مواقع التواصل الإجتماعي اكتشف أنّ ما يحدث مناورة كبيرة شغلت الرأي العام اللبناني وبمهارة شديدة جداً!
«كلام»، هدر الوقت اللبناني بـ»الكلام»، من بين عشرات الملفّات التي تثقل كاهل اللبنانيّين نكاد نشكّ أن اختيار «فقّاعة» الزواج المدني «مدروس» وبعناية وعن سابق تصوّر وتصميم، أو على الأقلّ هو عنوان «شعبوي» عند البعض، وملفّ غير قابل للإقرار عند البعض الآخر، ما لم يتنبّه له اللاهون بترف الزواج المدني والحوار أنّ العبث ببعض الملفّات مكلفٌ خصوصاً عندما يكون الثمن مدفوع مسبقاً وبشكل مباشر من رصيد رئيس الحكومة سعد الحريري، لم يكن الحوار حول هذا الملف يحتاج إلى كلّ هذه «الفرقعة»، الحوار الهادف والذي يوصل إلى نتائج هو البعيد عن «البروباغندا»، «الفرقعة» ساهمت في تمترس الأطراف وتشنّجها ورفع السقوف إلى أعلى الحدود!
ونحن هنا نلفت نظر جميع الأطراف التي ستنخرط في «عصفوريّة» إلهاء الشعب اللبناني إلا إن استجدّ أمر ضاغط على اللبنانيّين أكثر من «ترف الحوار»، بأنّ ما يحدث مجرّد مناورة تستنزف طاقاتهم، وتستدرجهم بعناية شديدة إلى حيث يُراد لهم أن يضيّعوا وقتهم وجهدهم في ملفّ مسبق يُدرك الجميع أنّه شائك ومعقّد ومن الصعب أن يصل إلى مكان.
للمناسبة، وفي الوقت الضائع لهذه المناورة، ثمّة أسئلة حول الزواج والطلاق المدنيّين تستحقّ البحث عن إجابات لها وتنوير اللبنانيين عموماً حولها وهو أجدى بكثير من هدر الوقت في «ترف الحوار» حول هذا الملفّ، أين القانون المدني الذي يفترض أن تبنى عليه قوانين وقواعد الزواج والطلاق المدنيين؟ هل تساءل الذين يغريهم الطلاق في الزواج المدني، ما الذي يحدث إن رفض أحد الطرفين الطلاق المدني ما الذي يحدث عندها؟ وهل فعلاً يستطيع الطرف الذي يريد الطلاق أن يحصل عليه، أم أنّ الزواج يبقى معلّقاً ويدخل الطرفان في نزاع قضائي طويل؟
يحتاج البلد إلى إعلان حال طوارىء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومع هذا هناك من لا يجد حرجاً في إلهاء اللبنانيّين بمناورات فارغة، خصوصاً أن الوقت اللبناني ضاغط وأضيق من أن يتّسع لها في ظلّ الأزمات اللبنانيّة القاتلة!
ميرڤت سيوفي