الهدف الأول من الحديث في “الموقف” يوم أمس عن انحسار الدور السياسي للمرجعيات الدينية في لبنان هو الإشارة إلى أن شعبه منقسم منذ إعلانه دولة مستقلة بين المسيحيين والمسلمين، وإلى أنه صار منقسماً أيضاً بين السنّة والشيعة منذ أن أوكل العرب والمجتمع الدولي سوريا حافظ الأسد إنهاء الحرب في لبنان عام 1976 بـ”قوات ردع” غالبيتها سورية، ومنذ أن أوكلوها مرة ثانية عام 1989 رعاية انتقال لبنان من الحرب إلى السلم. فكانت مثل “البْسَين الذي يوكَّل بالجبنة” كما يٌقال. الانقسام الطائفي الأول جعل استقرار لبنان مصطنعاً وموقتاً بدليل “ثورة” 1958 وبدء الأحداث اللبنانية الفلسطينية ثم اللبنانية – اللبنانية عام 1969، وتحوُّلها عام 1975 حروباً أهلية وغير أهلية طاحنة.
الهدف الثاني هو الإشارة إلى أن “الطبقة السياسية” التي قادت لبنان منذ استقلاله، والتي استوعبت قيادات جديدة دخلت صفوفها مع الوقت، هي المسؤولة قبل العوامل والأطماع والمصالح الإقليمية والدولية عن عدم استقراره وحروبه وتدمير دولته التي تكاد أن تصير دولة فاشلة. ذلك أنها استغلّت المخاوف المتبادلة بين “الشعوب” اللبنانية والأحقاد والمطالب لتثبيت سيطرتها، ولاحتكار السلطة وتوزُّعها بين أعضائها، ولتحقيق المكاسب الهائلة عبر استغلال الدولة ومرافقها، وعبر تحويل إداراتها “أبقاراً” حليبُها السلطة والنفوذ والمال. والحروب التي نشبت بين “الشعوب”، وكان للطبقة السياسية دور في إشعالها، ومصالح لم تقضِ على التعاون بين أعضائها رغم اختلافاتهم وعلى تبادل المنافع. إذ كانوا يتفقون على “الشعوب” ويقتسمون خيرات البلاد أيام السلم، وكانوا يستمرون في اقتسامها أيام الحروب، ولا يزالون كذلك.
والهدف الثالث هو الإشارة إلى أن “شعوب” لبنان قرف كل منها من حكامه وزعمائه وسياسييه الذين يشكّلون “الطبقة السياسية” العامة. ذلك أنهم عجزوا وبعد مرور 15 سنة على تحرير لبنان من إسرائيل و10 سنوات على انسحاب سوريا منه عجزوا عن إعادة بناء دولة مؤسسات وقانون، أو ربما لم يريدوا ذلك من كل قلبهم كي لا تنقطع عنهم المكاسب والمنافع السياسية وغير السياسية. لا بل دمّروا ما كان قائماً منها و”شغّالاً” وإن ليس بطاقة كاملة وفاعلية كبيرة. كما أنهم تخلّوا عن الخجل في ممارستهم السياسية الكيدية، وفي سعيهم الدائم إلى تقاسم الحصص في السلطة وفي المال العام وفي الثروات الوطنية والمرافق العامة مثل النفط والغاز والخليوي والكهرباء والماء والسدود، إلى أن وصلوا إلى “الزبالة” التي “طفّحت كيل الناس” فنزلوا إلى الشارع بأعداد لا بأس بها حتى الآن رغم عدم معرفتهم الجيدة بالذين أنزلوهم إليه وعدم تأكُّدهم من وجود أجندات عدة لتحرّكهم سواء بعلمهم أو من دونه، ورغم خوفهم من تدمير الطبقة السياسية لهم. هؤلاء مع الذين بقوا في المنازل يتمنون قيام فريق ثالث شاب ونشيط ونزيه وملتزم قضايا الوطن والناس، وذلك بعدما رأوا أن فريقي 8 و14 آذار الذين توزّعت شعوب لبنان عليهما فشلا في إقامة الدولة الموعودة. فـ8 كان تحرير الجنوب في رصيده وكذلك تحوُّله قوة ردع تفكر إسرائيل كثيراً قبل أن تعتدي على لبنان. لكن بعد تشكُّله عام 2005 أخذ قائدُه شعبَه وآخرين في اتجاه عطّل العمل لبناء دولة جدّية. وتصرّف على أنه جزء من إيران صاحبة السياسة “الطموحة” كي لا نقول التوسّعية في المنطقة. كما صار لاحقاً جزءاً من الحرب الدائرة في سوريا. وذلك أمر كرَّس انقسام الدولة في لبنان ووضع “شعوبه” أمام خطر حرب مذهبية. و14 خيَّب آمال شعبه لأسباب عدة منها عدم امتلاكه خطة واضحة وبرنامجاً لمعالجة الأوضاع والتطورات، وعدم امتلاكه خطة للمواجهة أو خطة للتفاهم، فصار مثل 8 جزءاً من فريق إقليمي تقوده السعودية. هذا فضلاً عن أنه لم يكن بعيداً عن الفساد في قضايا عدة آخرها “النفايات”. وهذا أمر يشاركه فيه 8 أيضاً وبقوة. أما حلفاء الفريقين من المسيحيين فضائعون ولا يمتلكون خطة ولا برنامجاً. بعضهم ارتمى في حضن زعيم 8، وبعضهم يحاول مشاركة زعيم 14 وأحياناً تجاوزَه. وهم في العجز مثل الآخرين وكذلك غالبيتهم في الفساد. أما الدروز وغالبيتهم في 14 فهم أيضاً جزء من “الطبقة السياسية” التي لا ترحم ولا تترك رحمة الله تنزل على الناس، كما يقال.
ما هو الهدف الخامس من الإشارة إلى انحسار دور المرجعيات الدينية في لبنان؟ وهل من أفكار لحلول ما للوضع اللبناني؟