IMLebanon

الحراك المدني اصاب «الممانعة» بصدمة «وثورة الارز» بنكسة

شكلت تظاهرة المئة الف لبناني يوم 29 آب، تلبية لدعوة منظمات المجتمع المدني صدمة لكافة القوى السياسية التي لم تتوقع ان تشهد ساحتي 8 و14 اذار هذا الحشد الشعبي خارج ارادة ايا منهما او دعوة من جانب اي من هذين الفريقين.

والصدمة التي اصيبت بها القوى السياسية تنبع من اعتبار هذه القوى ان خارج اطار الشعارات السياسية ـ المذهبية، لن يستمع المواطن الى اي نداء ولن يعبر عن اوجاعه الاجتماعية ورفضه لتنامي الفساد والصفقات، واستمرار شريان هجرة الشباب اللبناني بالنزيف الى الخارج، لكون هذه الاوجاع لن تجد لها متنفساً في ظل الانقسام السياسي ـ المذهبي في البلاد بحيث سيكون المواطن اسير هذا الخطاب وشعارات حزبية فارغة.

لكن الصدمة التي اصابت كافة الاحزاب والقوى، كانت انتكاسة مباشرة لفريق 14 اذار تقول اوساط سياسية، الذي خرجت معظم قوى المجتمع المدني من تحت جناحيه وحملت هذه المجموعات المدنية «وجع الناس» الى العلن معززة بالدعوة الى دولة قوية ومؤسسات فاعلة، اذ في واقع الحال لا يمكن ان تخرج من تحت عباءة الثنائي الشيعي اي «امل» و«حزب الله» الا نسبة جد ضئيلة من هذه الحشود نظراً لما هو عليه الحال داخل الطائفة الشيعية من انشداد نحو الثنائي الشيعي، نظراً لما يؤمنه لهم من حضانة تحت عباءة رئيس مجلس النواب نبيه بري وامين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، في حين ان نسبة المشاركة الدرزية حكماً جد ضعيفة، قياساً الى الواقع الديموغرافي ومراعاة لزعيم هذه الطائفة النائب وليد جنبلاط الذي يتقارب من موقعه الاقطاعي اوجاع ابناء طائفته ويتبادلان التفهم فيما بينهما، لكونه لا يزال يشكل لهم ضمانة لا بديل عنها في المدى الراهن.

لذلك كانت قوى 14 اذار اي تيار المستقبل والقوى المسيحية في 14 آذار،امام انتكاسة كبيرة، بعد ان دلت هذه القوى بانها غير آ بهة بأوجاع الشعب، ولا تزال فلسفة رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة غير المستشعرة لآلام الناس هي السائدة منذ دخوله السلطة، وتنسحب على عدة محطات اسوة بالسلسلة وغيرها من الملفات ذات الطابع الاجتماعي ـ الانساني.

الى ذلك بدت القوى المسيحية «سلطوية» لا تقارب الازمات الاقتصادية ولا تعطي هذا الجانب اي اهتمام تقول الاوساط، حاصرة اهتمامها بتعداد الايام لغياب رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون عن الساحة السياسية، مقللة من اهتماماتها بحيوية المجتمع المدني في البيئة المسيحية، الذي كان مفترضاً بها وبالمستقبل ان يكونا حاملين شعاراته من زاوية تمسكها بلواء «العبور الى الدولة».

لكن ما حصل هو ان الثنائي الشيعي ابقى مجتمعه تحت جناحيه على وقع شعارات لا يزال يرفعها وتمثل قلقا بما حدا بالجمهور الشيعي ان يبقى الى جانب هذه القوى التي ترفع شعار مقاومة اسرائيل وقتال الارهابيين قبل وصولهم الى المجتمعات الشيعية.

وفي المقابل دخل تيار المستقبل الحكومة على قاعدة «ربط النزاع» مع «حزب الله» وفض «الخلاف النفطي» مع سائر القوى، ووضع شعاراته السياسية في ثلاجة الانتظار بعد سنوات من تكرارها دون نتيجة، وعلق ايضاً انتقاده لموضوع سلاح «حزب الله» الذي في مفهوم قوى 14 اذار يعيق بناء الدولة وانزلق مسؤولون في صفوفه على غرار فريق 8 اذار في ملف النفايات ومكاسبه محولاً ذاته الى هدف لتحركات المجتمع المدني.

والى ذلك ايضاً سادت استراتيجية الانتظارعلى هذا الفريق، بحيث يترقب المستقبل عودة «حزب الله» من سوريا مرهقاً من خسارته البشرية والسياسية على ضوء التسوية المتوقعة التي ستدفعه للخروج من سوريا وفقدان حليفه الرئيس بشار الأسد والقوى المسيحية لم تكن في موقع المبادر بل غرقت في حسابات مناطقية وداخلية، مراهنة على غياب عون الجسدي وانحلال التيار الوطني الحر معززة استراتيجيتها بالخلافات التي شهدها توريث عون للوزير جبران باسيل رئاسة التيار خلفاً له، في وقت كان بامكانها ان تلجأ الى مبادرات في هذا الحقل فبدت «اقطاعية» لا تقارب آلام هذا المجتمع اسوة بالكنيسة المارونية التي تتخبط في ملفات مالية ـ ادارية محط مساءلة من قبل الفاتيكان.

وخسارة قوى 14 آذار للقرار السياسي تعزز يوم السبت الماضي بخسارتها للشارع الرديف لها تؤكد الاوساط، او الخارج من رحمها، وفق مشهد جد واضح جعلها عارية من «عصبية» لا تستطيع استرجاعها، فقد تحرك المتظاهرون رفضاً للنفايات المنتشرة امام المنازل ولم يتوقفوا امام دور سلاح «حزب الله» وتداعيات قتاله في سوريا، وطالبوا بالعبور الى الدولة على قاعدة ان قوى 14 آذار تشكل جزءاً من تركيبة هذا النظام الفاسد، بعد ان دخلت هذه القوى مرحلة «الانتظارات» للاخصام.

وقد بدت البلاد حسب الاوساط السياسية في الايام الماضية امام مشهدين، يتوزعان بين «التنظيري» الذي مارسته عدة قوى في 8 و14 آذار من زاوية دعمها للمتظاهرين او مشككة في خلفيات حراكهم، وبين مشهد «عملي» لوزير الداخلية ورئيس مجلس الامن المركزي نهاد المشنوق الذي تتبع له كافة القوى العسكرية ـ الامنية من ضمن هذا الاطار، رافضاً اسقاط الحكومة ومشدداً على حمايته لحرمها مع مجلس النواب ومعلناً عن حرصه على حق التعبير والتظاهر معززا بمواقف قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي، من اجل حماية الشرعية والنظام الحالي، وفق صيغة تعكس تقدم هذا المسار على اي خطوة تهدف لاطاحة الحكومة الحالية ورئيسها تمام سلام مع ما يستتبع ذلك من تداعيات على مستقبل وواقع النظام الحالي ومسار التطورات التي تنظر انجلاء الايام على ردود مباشرة وواضحة على مبادرة الرئيس بري في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر.

اما لماذا كان للعماد عون انتقاد للتحرك المدني ما دفع للتصادم الاعلامي بينهما.

لا تخفي اوساط محيطة بعون ان التحركات غير بريئة وثمة جهات تقف وراء تفعيلها او احتمال الاستفادة منها، وهي جهات اقليمية ـ دولية لها تأثيراتها على هكذا ناشطين من اجل تهيئة البلاد لانتخاب رئيس من خلال اظهار الفراغ الرئاسي وكأنه المؤثر الاساسي على ما تشهده البلاد. ولذلك اطلق «عليها النار» بعد ان سادته القوى الفاسدة ورفعت صوره، ولذلك قرر التحرك بمعزل عنهم ليؤكد على موقعه ومواقفه واعطاء رسالة بانه خارج اي تسوية في المستقبل ولا يزال مرشحاً رئاسياً طالما هو موجود..