تأييدنا الحراك المدني في الشارع، وان صار حملات عدة، لا يلغي انتقادنا بعض مطالبه العبثية في اسقاط النظام واستقالة الحكومة وحل مجلس النواب… من دون تقديم حلول بديلة غير الفوضى التي تعرقل بناء دولة مؤسسات. وهذه المطالب دأب عليها اليسار اللبناني، خصوصاً انه لم ينجح في دخول لعبة السلطة ولم يفز يوماً بمقعد نيابي على رغم ترشح مسؤوليه المرة تلو الأخرى.
لكن اختلافنا في الرأي مع بعض مكونات الحراك أيضاً، لا يحجب دعمنا له في إنجازه تحريك مياه راكدة وآسنة منذ زمن، ومساهمته في جمع مؤيدين لمطالبه المحقة في رفع النفايات ورفض الصفقات ومحاربة الفساد، من ضفتي 8 و14 آذار. والأهم ان اختلافنا في الرأي يجب الا يعيدنا الى خطاب الاتهام بالعمالة، الذي كان سائداً زمن الوصاية السورية عندما كانت التهمة جاهزة لمن لا تهمة له.
ما نشر في الأيام الأخيرة من تقارير سخيفة عن ارتباط الناشطين بالادارة الأميركية تدريباً وتمويلاً، لا يخرج عن سياق الاتهام بالعمالة. والعمالة في مفهومها واحدة، سواء كانت لأميركا أو فرنسا أو سوريا أو إيران أو… ولا يحق تالياً للطبقة السياسية الحالية، المنزعجة من الحراك المدني الذي ساهم في كشف بعض المستور من فسادها، ان تلصق التهم بالناشطين، لأن الذي بيته من زجاج لا يجوز له رمي الناس بالحجار.
فالحراك هو الأول في زمن ما بعد الحرب، المدني فعلاً، والذي خرج في بداياته عن إمرة الأحزاب، قبل ان يسعى بعض الحزبيين الى ركوب موجته، ربما لتلاقي الأهداف، أو حباً بالظهور بعد طول انكفاء. وقال فيه نقيب المحامين الأسبق عصام كرم “انه بصيص أمل في مجتمع ما بعد الحرب، وعلينا مرافقة الشباب، ومراقبتهم كي لا يضيّعوا البوصلة ويقضوا على الأمل من جديد”.
أما الأحزاب والطوائف والمذاهب فحدّث ولا حرج. اتفق “المسؤولون” في ما بينهم على ان استحقاق رئاسة الجمهورية بات مفتاحه في الخارج، وبالتالي فهم ينتظرون إشارات من هذا الخارج، ويفتشون عن بديل، أو عن إحياء محور السين – سين، أي السعودية وسوريا، مع ابدال الأخيرة بإيران، التي صارت لها اليد الطولى في سوريا أيضاً، وهم يتحولون ادوات لهذا الخارج، في اتفاقه أو خلافه. والأحزاب، كما مذاهب متداخلة بالأحزاب، تتلقى التمويل، وأيضاً السلاح من الخارج، ولا تخجل بذلك، بل تفاخر به علناً، طمعاً بالمزيد، لأنها من دونه، تفقد المؤيدين والصدقية، فلا انتماء في لبنان من دون خدمات، الا في ما ندر.
وأما المشاريع المموّلة من السفارات فحكاية طويلة، بدءاً من القوات الدولية العاملة في الجنوب التي تنفذ مشاريع انماء وتدريب في عمق الجنوب المقاوم، وصولاً الى تمويل البنى التحتية، ودعم المشاريع التربوية في أقاصي عكار.
فهل يتهم الحراك المدني من دون غيره؟