قصيرة كانت لقاءات الوزير جان إيف لودريان مع رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون والبرلمان نبيه بري، ومع الرئيس المكلف سعد الحريري، حيث حرص على القول لبعض من التقاهم قبله، بأن “إشاعات عدم نيتي الاجتماع به كانت من صناعة لبنانية داخلية”.
لم يقبل وزير الخارجية الفرنسي إغراقه في أي تفصيل حول روايات الرؤساء في شأن العراقيل التي تحول دون تأليف الحكومة، حين حاول الرئيس عون خصوصاً، شرح وجهة نظره بعملية التأليف وشكواه على الحريري. اكتفى بالقول إنه لا يريد الخوض في الموضوع الحكومي أو مناقشة أي أمر متصل به، مردداً بأن “الجميع يتحمل المسؤولية. هذا شأنكم وما لدينا قلناه، وما علينا قمنا به ولا جديد لدينا نضيفه. اعملوا ما عليكم وإذا لم تصلوا إلى نتيجة فهذا بلدكم وتتحملون مسؤولية ما سيؤول إليه الوضع”.
في زيارته الحالية، الرابعة إلى لبنان، وخلافاً لسابقاتها حين كان لودريان يخوض في أولوية تأليف الحكومة والإنقاذ الذي يبدأ بتشكيلها من أجل القيام بالإصلاحات التي بدونها يستحيل تقديم المساعدة المالية للبنان، فإن الانطباع الذي خرج به بعض من التقاهم من الرسميين هو أن باريس لا تناور وسيكون لها سلوك جديد. بعد الزيارة التي وجه فيها الرسالة الحازمة بأن لا جديد تقدمه من أجل إحداث خرق في الانسداد السياسي، وبأن المسؤولية تقع على عاتق قادة البلد، شدد على أن هناك إجراءات ستتخذ، وإن كانت أحادية من جانب فرنسا، وذات طابع سياسي، مثل تدبير منع دخول شخصيات إلى أراضيها. وقد لا تتناول في المرحلة الأولى عقوبات حول الأرصدة المالية للبعض، لكن ذلك سيأتي.
مع إدراك الجانب الفرنسي أن المخرج من المأزق الحكومي يفترض أن يأتي من القادة السياسيين التقليديين، الذين اكتفى بالاجتماع إلى الرؤساء منهم، لم يخفِ رهان بلاده على قوى المعارضة التي انبثقت من ثورة 17 تشرين والتي اجتمع إلى بعض تنظيماتها ورموزها في قصر الصنوبر، لعلها تنجح في تأمين “انتقال سياسي” في البلد يؤدي إلى تعديل المشهد السياسي. وتعبير “الانتقال السياسي” جديد في قاموس التعاطي مع لبنان. ووفق تغريدته التي سبقت وصوله برر لودريان إحجامه عن الحديث حول الحكومة، بأن زيارته هي لدعم مؤسسات المجتمع المدني التي تسعى إلى التخفيف من معاناة اللبنانيين في الطبابة والتعليم…
دلالة لقائه “أحزاب المعارضة” في قصر الصنوبر تتعدى اهتمام فرنسا بهيئات “المجتمع المدني” التي كان رئيسه إيمانويل ماكرون دشن العلاقة معها بنزوله إلى المناطق المتضررة، بعد انفجار المرفأ خلال زيارته في 6 آب الماضي، وإعطاء ممثليها الصدارة في الاجتماع الدولي الذي عقده لجمع الأموال لإعادة إعمار ما تهدّم في كانون الأول الماضي. فبعض هيئات المجتمع المدني بدأ في نظر فرنسا يبلوِر خطاباً جديداً ومشروعاً سياسياً معارضاً وتغييرياً، وينظم نفسه، ويفترض أن يعبر عن تطلعاته ووزنه على المسرح السياسي، وفي الانتخابات النيابية المقبلة. وإن لم تكن هناك انتخابات مبكرة هناك إنذار مبكر فرنسي ودولي من مساعي تأجيلها.
حين شدد قادة أحزاب وائتلافات في إطار المعارضة، على أن أحزاب السلطة انتقلت من حالة إعاقة تأليف الحكومة إلى حالة العجز عن معالجة الأزمة التي تتطلب قرارات مؤلمة وجريئة، استنتجوا بأنه لا بد من تشكيل حكومة من المعارضة الناشئة، الأقدر على استعادة ثقة الشعب والمجتمع الدولي، وعلى نقل البلد إلى مسار التعافي التدريجي، سأل لودريان عن وسائل تحقيق ذلك طالما الأكثرية الحالية ما زالت دستورياً متحكمة. جاءه الجواب بأن تصعيد الضغط الدولي على الأحزاب الحاكمة كفيل بتحقيق هذه النقلة. قد يكون ذلك أحد الأجوبة عن السؤال حول ماذا بعد زيارة لودريان، في انتظار معرفة مدى استجابة الطبقة السياسية للرسالة.