«أبناء البيت الكبير»، كما يصفهم الروائي الزغرتاوي جبور الدويهي، كُثر في زغرتا. السواد الأعظم من هؤلاء يحمل ألقاباً عثمانية ورثوها أباً عن جد، أبرزها البكوية. يبرز منهم حالياً اثنان: آل فرنجية بقيادة النائب سليمان فرنجية وآل معوض الذي يحمل شعلتهم نجل الرئيس الراحل رينيه معوض، ميشال. التباعد السياسي بين «الوريثين» والإختلاف في الخيارات، كانت له ارتدادته على الساحة الزغرتاوية، حيث تعمّق «الصراع» على أحادية الزعامة وفرض كلّ منهما لوجوده. الإنتخابات البلدية كانت أحد الملاعب التي استُعملت لهذه الغاية. معارك عديدة خيضت بينهما، قبل أن يُقررا هذه الدورة «الإلتفاف» على لقاء معراب بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. وحّدا الصفوف في محاولة لتطويع «الأحزاب» أمام سور زغرتا، وتمكّنا من الإعلان يوم الثلاثاء عن لائحة «معاً لزغرتا وإهدن» برئاسة الطبيب سيزار باسيم. يُحاول أركان اللائحة التوافقية الإيحاء دائماً بأنّ اختيار الأعضاء لم يجرِ وفقاً لمنطق المحاصصة، لكن يكفي أن تكون والدة طوني سليمان فرنجية وزوجة ميشال معوض وكاهن زغرتا بول دويهي من ضمن الأعضاء الـ21 حتى يتأكد ذلك.
ويزعم معوض بأنّ اللائحة التي يُشارك فيها تضم ممثلين عن المجتمع المدني وهي تفصل بين السياسة والإنماء، لكن يكفي لدحض هذه المزاعم أن تتألف في زغرتا لائحة ثانية هي «لائحة الإنماء. اللائحة المستقلة لخدمة زغرتا ــ إهدن» المؤلفة من مستقلين وفاعلين في المجتمع المدني، الذي يحلو لمعوض أن يُقدم نفسه على أنه مُمثله، لدحضها.
اللائحة الثانية يرأسها المهندس مخايل الدويهي وهي ليست مُكتملة، تضم 17 عضواً. هي لائحة إنماء، مشروعها يتألف من ثمانية أبواب تضم اقتراحات عدّة على كافة الصعد. إضافة إلى تقديم تصور لشخصية رئيس البلدية ووضع إطار استراتيجي لنموّ منسق ومستدام. تبلورت الفكرة بين ثلاثة شبان: بيار الدويهي، أنطوان يمين وميشال الدويهي. نواة الحركة التي عُقد أول اجتماعاتها في آذار الماضي، هي «حركة الشباب الزغرتاوي» قبل أن تتوسع المروحة لتضم «أناسا خلفياتهم إنمائية»، إستناداً إلى أحدهم.
ينتقد الدويهي لائحة التوافق التي اختارت رئيساً غير متفرغٍ
وهذه المرّة الأولى في زغرتا التي تجرؤ فيها مجموعة على «كسر المحرمات وخلق مساحة نقاش». يقول أفراد من المجموعة إن مشكلتهم الرئيسية هي في المحاصصة، حيث تختار كل عائلة ممثليها وفقاً للأعراف القائمة، «من دون الأخذ في الإعتبار معيار الكفاءة. أصبحت البلدية مركزاً للتنفيعات الحزبية». محاولات «المجتمع المدني» لخرق الرأي العام الزغرتاوي فشلت سابقاً. السبب في تركيبة هذا المجتمع الذي ينظر إلى «الزعيم» بصفته موزعاً للخدمات وتربطه به علاقة تبادل مصالح. في زغرتا «هناك خوف من التعاطي المباشر في السياسة أو انتقاد العائلات التقليدية. هذه هي المدينة الوحيدة التي لم يتمكن أي حزب من الدخول إليها، وخاصة بعد طرد الشيوعيين في ستينيات القرن الماضي. أتدرون ما معنى أن يترشح فريق ضد الإقطاع السياسي في المدينة؟». ظلّت لائحة «الإنماء» تتحين فرصتها، إلى أن وجدت في «تحالف فرنجية ــ معوض التوقيت المناسب لطرح خيار ثانٍ قائم على نظرة واضحة للإنماء، على العكس من لائحتهم التي لا مشروع واضحا لها».
منسق لائحة الإنماء والأستاذ الجامعي ميشال دويهي يؤكد تفاعل الشارع الزغرتاوي مع اللائحة التي قامت بجولة في المدينة الأسبوع الماضي. «لمسنا تململاً لدى القواعد الحزبية من الزعامات وسمعنا عن تشطيب وتشكيل للوائح». يقول إن هناك «لغة تخاطب جديدة لم تكن موجودة سابقاً. الأهم أننا بدأنا نُصالح الجيل القديم الذي كان يرفضنا». هي الثقة بوجود «أناس لديهم نوع من الإستقلالية وكفوئين». ربما لهذا السبب سرت معلومات عن محاولة فرنجية ومعوض الضغط على الناخبين لرفع نسبة الإقتراع لمصلحتهما.
من جهته، يوضح مخايل الدويهي أنّ «الفكرة كانت واردة منذ زمن، لكنّ المبادرة إنطلقت رسميا منذ شهرين ونصف شهر تقريباً». السبب الرئيسي أنّ «زغرتا ينقصها الكثير ونحن نستطيع أن نخدم بشكل أوسع من الآخرين». يأسف المهندس الذي عاش فترةً في الخارج أن «المياه تُقطع لأسباب سياسية. المعالم السياحية يُعتم عليها لأسباب سياسية. لا يوجد اهتمام بالبيئة أو مشاريع إنمائية. يُقال إنه هناك نحو 130 شخصاً يقبضون معاشاتهم من دون أن يعملوا. حاولنا التواصل مع المسؤولين في البلدية، إلا أنهم مقيدون». ينتقد لائحة التوافق التي اختارت رئيساً «ليس متفرغاً. اكتشفنا أنّ الإنماء لا يهمّهم، لا يريدون سوى توظيف أحدهم وهذه إهانة للمجتمع»، سائلاً: «هم يُحبون بعضهم بعضا؟ اتفقوا على أمر واحد هو المحافظة على مراكزهم ومصالحهم الخاصة». أما «لائحة الإنماء» ، فيقول إنها تنظر إلى البلدية كـ«مشروع إنمائي. سنُسخّر كل طاقاتنا لمصلحة زغرتا ومشروعها الإنمائي حتى تصبح لدينا مدينة مثالية ويعيش الشعب بكرامته».
تُتهم البيوتات السياسية في زغرتا بأنها تجهد للتعتيم على لائحة «الإنماء»، والإيحاء بأن أعضاءها أشخاص منفردون لا يُكوّنون لائحة. «نحن 17 شخصاً وزعنا 17 ألف منشور في زغرتا على أربع مراحل. مجتمعنا يعرفنا جيداً»، يرد مخايل الدويهي. جُلّ ما يريده المُرشح إلى رئاسة البلدية أن «يُترجم التجاوب الزغرتاوي معنا في صناديق الاقتراع. نحن نريد أن نتنافس ديمقراطيا ونازلين لحتى نربح».