في أعقاب «الفورة المدنية» التي شهدها لبنان منذ العام 2015 وتحديداً بعدما انتشرت النفايات في شوارع بيروت والجبل وسط عجز الحكومة عن ايجاد حلول سريعة للأزمة المتفاقمة، بات «الحراك المدني» وجمعياته تحت المجهر السياسي، وباتت بعض الأحزاب والشخصيات السياسية تطمح إلى التماهي مع هذا الحراك وحتى إظهار نفسها كجزء منه، أي أنها ومنذ ذلك الحين تحاول ركوب الموجة المدنية، لعلّها تشكّل لها رافعة سياسية.
هذا التصرّف من قبل بعض الأحزاب والشخصيات السياسية قوبل وما يزال بكثير من الارتياب والحذر، لا بل الرفض، من جانب جمعيات المجتمع المدني التي لا ترى أنّه يعبّر عن مصداقية لدى هذه الأحزاب والشخصيات، ولا سيّما أنّها كانت حتى الأمس القريب جزءاً من «جنّة الحكم».
هذه الإشكالية التي رافقت صعود حركات المجتمع المدني ومحاولة بعض الأحزاب والسياسيين الاستفادة من هذا الصعود، تمثّلت من جديد في لقاء «منتدى بيروت» الذي عقد في 22 تشرين الأول الماضي في «الفوروم دو بيروت»، والذي تمت مقاطعته من قبل الجمعيات المدنية الكبرى، اعتراضاً على تنظيمه من قبل حزب «الكتائب اللبنانية»، ومناصرين للوزير السابق أشرف ريفي ولرئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، وفق أوساط هذه الجميعات.
في السياق، يقول القيادي في حركة «طلعت ريحتكم» وديع الأسمر، أنّه «عندما نتحدث عن المجتمع المدني فالمقصود حراكات وبعض الجمعيات وبعض المجموعات السياسية الناشطة والتي هي حالياً خارج السلطة ولم تكن في يوم من الأيام داخلها، وهي آتية من منطلق مدني بحت، أي من منطلق غير طائفي وديموقراطي».
ويسأل: «السؤال الأساسي ليس حول انفتاح أحزاب سياسية على المجتمع المدني، إنما هل هذه الأحزاب منفتحة على المبادئ التي يحملها المجتمع المدني في لبنان؟ أو هي تنفتح عليه لأسباب انتخابية بحت؟». ويتابع: «هل دعوة الجمعيات للقاء الفوروم كانت لتضمين البرامج الإنتخابية للأحزاب والشخصيات التي تقف وراءه، مبادئ عن حقوق المرأة والطفل وحقوق الإنسان والحقوق البيئية، أو هم دعوا الجمعيات وعناصر المجتمع المدني لالتقاط الصورة معهم واستخدامهم في الدعاية السياسية؟».
ويردف: «يحقّ لحزب الكتائب والرئيس سليمان والوزير ريفي أن يدعوا المجتمع المدني للقاء لإنشاء تحالف سياسي لكن نحن كطلعت ريحتكم نعتبر ذلك توريطاً للمجتمع المدني مع أفرقاء سياسيين تقليديين ويمثّل خطراً على المجتمع المدني. إن هكذا تحالف يضيّع رسالة المجتمع المدني، إذ يورّطه في تحالفات مع أفرقاء كانوا جزءاً من السلطة، فهل تابوا؟»، متسائلاً: «اليوم إذا خرج أحد الأحزاب من الحكومة وقال أنا تبت وأصبحت من المجتمع المدني، هل نصدّقه؟».
ويشير الأسمر إلى أنّ «هناك ضبابية في الأجندة السياسية لهذه القوى السياسية»، ويسأل من جديد: «هل ستقبل بعد الإنتخابات بالدخول في أي حكومة إذا ما أعطيت حصّة ترضيها؟». ويشدّد على أنّ «تجربتنا مرّة مع الأحزاب والشخصيات السياسية التقليدية، ومن الطبيعي أن نطلب براهين على خروج هذه الأحزاب من تقليديتها السياسية، إذ نحن لا نطمئن لها، ونرتاب في محاولتها استخدام صورة المجتمع المدني لتحصيل مكاسب سياسية ضمن نظام المحاصصة». وبالتالي، يرى أنّ «هناك شروطاً يجب على هذه القوى أن تلبيها في حال أرادت التحالف مع المجتمع المدني، وأوّلها أن لا تدّعي المدنية بينما خطابها طائفي ويمكن ان تعلن معركة اعتراضاً على نقل بوّاب من طائفة معينة من مدرسة في إحدى المناطق، وثانيها أن تبرهن أنها ديموقراطية».
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي والناشط في المجتمع المدني جاسم عجاقة، أنّ «المجتمع المدني ثائر في الأساس على ممارسات السلطة، وبالتالي إذا كان لأحد الأحزاب تاريخ قديم في السلطة فمن الصعب أن يأتي ويقول لدي وجه جديد ولا شأن لي بالماضي». ويلفت إلى أن ّهناك سياسيين كانوا في السلطة كاللواء ريفي أو حزب الكتائب أو الرئيس سليمان لا يستطيعون أن ينكروا الماضي، إذ كانوا جميعاً جزءاً من السلطة».
ويستبعد عجاقة إمكان التعاون بين المجتمع المدني والأحزاب والشخصيات السياسية، ويقول: «أنا عندما أرث والدي أكون قد ورثت أمواله وديونه معاً، وهذه الأحزاب لديها تاريخ ولا تستطيع التبرّؤ فجأة منه»، ويسأل: «المجتمع المدني قام ضدّ السلطة فكيف يتحالف مع بعض أطرافها؟»، ويلفت إلى أن «حزب الكتائب عندما قامت الاحتجاجات ضدّ الحكومة في صيف العام 2015 نزل إلى الشارع مع الناس من دون أن يستقيل من الحكومة، ما جعل الناس يتساءلون عن معنى هذا التصرّف المتناقض، وهذا دليل كافٍ على كيفية تصرف أحزاب السلطة».