IMLebanon

“كلنا لبيروت”: مواجهة “عقم” السلطة… بالتكافل

 

هيئات المجتمع المدني تفقد الأمل بالطبقة الحاكمة وتستلم زمام المبادرة

 

 

 

التكافل الاجتماعي الذي تجلى بأبهى صوره بعد جريمة المرفأ، بدأ يأخذ بُعداً اقتصادياً تنموياً. النظرة إلى المساعدة خرجت من إطارها القطاعي الضيق وتحولت إلى شمولية على وسع الوطن. فالنهوض يأتي حزمة واحدة، و”الترقيع” بالمفرق أثبت فشله وعجزه عن تعميم الايجابيات.

 

ماذا ينفع ترميم المحال التجارية فقط إن كان المواطن لا يملك مسكناً أو يعجز عن تسديد أقساط اولاده؟ فرضية ينطلق منها رئيس “تجمع رجال الاعمال” فؤاد رحمة ليشرح أهمية مبادرة “كلنا لبيروت”، التي أطلقها التجمع بالشراكة مع “إرادة”، اتحاد رجال الاعمال للدعم والتطوير، بهدف مساعدة المتضررين من انفجار المرفأ بالعودة إلى منازلهم، واتاحة الفرصة أمامهم لتسجيل ابنائهم في مدارسهم.

 

8.1 مليارات ليرة

 

المبادرة عبارة عن “صندوق” مفتوح لجمع التبرعات من الداخل والخارج. وقد استطاعت خلال الايام الماضية جمع تبرعات بقيمة 8.1 مليارات ليرة لبنانية. سيصار إلى تقديمها إلى 12 جمعية موثوقاً فيها تملك برامج اعادة تأهيل للمنازل و4 مدارس. على “الجمعيات” ان تصرح بشكل شفاف عبر كشوفات تظهر المستفيدين والمبالغ المدفوعة للقيمين على الصندوق، الذين يُعلمون بدورهم مقدمي الهبات بكيفية توزيع المساعدات تحت رقابة شركة تدقيق مالية.

 

“اهمية المبادرة ليست في قيمتها المادية فحسب، على الرغم من انها كبيرة، بل بدلالاتها الكثيرة”، يقول رحمة. “فهي ان دلت على شيء فعلى حجم التضامن الكبير بين المواطنين، الذي تخطى الحدود المناطقية والطائفية الضيقة. إذ انه على الرغم من الاعتماد على تبرعات المغتربين بشكل أساسي، فقد سجلت الحملة مساهمات فعالة من موظفين ومواطنين قد يكونون محتاجين بدورهم، بـ 50 و 100 الف ليرة. وهو ما يؤكد الرهان على تفاعل الشعب اللبناني وانتصار ثورة الحياة على فلسفة الموت”.

 

الخسارة مثلثة

 

حجم المأساة التي يعيشها لبنان تتطلب الكثير من الجهد والعمل، ومن “المستحيل ان ننهض بقوانا وبالاعتماد على مواردنا الذاتية فقط”، يقول أحد مطلقي المبادرة رجل الاعمال ريكاردو حصري. “فنحن بحاجة إلى 16 مليار دولار لنعود كما كنا قبل انفجار المرفأ. وهو ما يعتبر في علم الاقتصاد هدراً للطاقات. لان هذه الخسائر المحققة في المرفأ والارزاق والاعمال هي موارد كان من المفروض ان تكون موجودة وتساهم في العجلة الاقتصادية”.

 

بالاضافة إلى حجم الخسائر الفادحة المباشرة، هناك خسارة مضاعفة غير محسوبة بعد تتمثل في تفويت الفرص أمام الشركات باستمرار العمل والانتاج، وتراجع الانتاجية بسبب النتائج المعنوية المحبطة للحادث، والتي قضت على أمل الشباب بمستقبل واعد في البلد. وبحسب حصري فان “مئات المؤسسات المنتشرة في المناطق المتضررة، وتحديداً في شارع “باستور” الذي يضم شركات ومحال تجارية ومقاهي ومطاعم، ستخسر خلال أسابيع الاغلاق وإعادة التأهيل وانتظار عودة الحياة إلى طبيعتها مبالغ هائلة. وهناك الآلاف من العمال والموظفين لن تصلهم رواتبهم. وستعجز الشركات عن تأمين الايجارات والمصاريف التشغيلية البسيطة”. وبرأيه فان هذه المبالغ تقدر بمليارات الدولارات وهي تعادل الخسارة المباشرة المحققة من الانفجار. أما الخسارة الثالثة والتي توازي الاولى والثانية كلفة وخطورة، فتتمثل من وجهة نظر حصري بـ “النقص بالكفاءة. فعشرات آلاف المتضررين يعجزون من الناحية النفسية عن اظهار طاقة بناءة كما كانوا قبل الانفجار. فالاعاقة مهما كانت بسيطة ستؤثر على نفسية المصاب وتعلقه بعمله ووطنه وقضيته”.

 

الكلفة باهظة

 

النتائج غير المباشرة الناجمة عن الانفجار ما زالت ساخنة، ووجعها لم يبدأ بعد. والخسائر من وجهة نظر حصري “لن تقل عن ضرب كلفة الاضرار المباشرة بـ 3 مرات. أي ان الكلفة النهائية للانفجار ستصل إلى 48 مليار دولار”. واذا اضفنا هذا الرقم الى حجم الدين العام الذي ناهز 100 مليار دولار، وخسائر القطاع المصرفي التي لن تقل عن 80 مليار دولار، ووجود 500 الف عاطل عن العمل و50 في المئة يعيشون تحت خط الفقر وخسارة الليرة اكثر من 80 في المئة من قيمتها… فإن النتيجة ستكون كارثية، و”من المستحيل علينا النهوض من هذه الازمة بالاعتماد على جهودنا الفردية” يقول حصري. “لذا كانت هذه المبادرة التي وجهناها بشكل اساسي إلى الخارج. حيث تدفق في يوم واحد نحو 8.1 مليارات ليرة ونتوقع ان يرتفع هذا المبلغ مطلع هذا الاسبوع مع بدء وصول التحاويل المصرفية من اللبنانيين المغتربين”.

 

بعد الحادث ليس كما قبله

 

تجمع مختلف الآراء على ان الاقتصاد اللبناني انغمس في دوامة الفشل. فبدلاً من أن تندمج مختلف القطاعات في “دورة فعالة” تقود البلد نحو النمو والازدهار دخلنا بـ “الحلقة المفرغة” حيث فشل كل قطاع يؤثر سلباً على الآخر ويشده نزولاً. “الأمر الذي اثبت لنا ان المقاربة القديمة التي اعتمدناها للخروج من المأزق لم تكن صحيحة”، يقول رحمة. “لان الطلب من الفاسد الاصلاح فيه خفة عقل. وبالتالي بدل تضييع المزيد من الوقت بالشرح للسلطة الحاكمة كم هي عديمة الفائدة، قررنا استلام زمام الامور والاضطلاع بالمبادرات، والتي كان باكورتها “كلنا لبيروت”. ليتبعها في وقت لاحق طرح تصور متكامل للانقاذ يتضمن مشروعاً انقاذياً للبنان من الناحية الادارية والمالية وكرامة الانسان وشبكة الامان الاجتماعي وموقفه من محيطه العربي وقضايا المنطقة”. رحمة الذي يشدد على ان لبنان بلداً ليس مفلساً بل منهوباً، يرى في تغيير الادارة عبر الانتخابات النيابية مدخلاً جدياً للاصلاح. ويدعو كل النخب الى توحيد القوى والانضواء وراء مشاريع تغييرية حقيقية للوصول الى النهاية المنشودة.