… واللافت أيضاً في الكلام على “نهاية الصيغة” التي رسمها الرئيسان بشارة الخوري ورياض الصلح أنّ من أطلقه طالبَ أيضاً بالدولة المدنية. أمس تناولنا الصيغة وقلنا إنّ بعض الكلام حول “نهايتها” قد يفتح أبواب جهنّم في هذا البلد.
اليوم، إذ نُبادئ إلى القول إننا مع الدولة المدنية، نلفُت إلى أنّ هذا التوصيف ليس مجرّد كلام، إنما هو نظام متكامل. فهل أنّ القائل به يُريد هذا النظام؟ ذاك هو السؤال المركزي.
أولاً- الدولة المدنية تقتضي توحيد الأحوال الشخصية في البلد الذي يعتمدها. فهل هذا البند ملحوظٌ لدى الـمُتكلّم على الدولة المدنية؟ وهل يوافق رجال الدين (لا أصحاب السماحة المفتون وحدهم) على هذا الأمر؟.
ومن دون هذا السند الأساس، لا دولة مدنية.
ثانياً- الدولة المدنية تعتمد الزواج المدني. كلّنا نذكر أنّ مجلس الوزراء أقرّ الزواج المدني في عهد الرئيس المرحوم إلياس الهراوي في جلسة لحكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي تبيّـن له أنّ المرجعيّات الدينية كلها، من دون إستثناء، ترفض الزواج المدني، مع أنه كان إختيارياً في المشروع وليس إلزامياً كما هو في البلدان التي تعتمده في الدولة المدنية.
فهل أنّ الذي أنهى الصيغة وقال بالزواج المدني يوافق على هذا الزواج؟.
ومن دون هذا السند الأساس، لا دولة مدنية.
ثالثاً- في الدولة المدنية الكلمة الفصل في الأمور كلها تعود إلى القضاء المدني وليس إلى المحاكم الشرعية. ونحن نعرف دور المحاكم الشرعية الإسلامية والروحية المسيحية في لبنان. فهل هذا ما قصده القائل بالدولة المدنية؟.
ومن دون هذا السند الأساس، لا دولة مدنية.
رابعاً- في الدولة المدنية لا حدّ على زواج المرأة من أيّ رجل تُريد سواء أكان من دينها أم لم يكن. فهل هذا هو المطلوب من القول بالدولة المدنية؟.
ومن دون هذا السند الأساس، لا دولة مدنية.
خامساً- في الدولة المدنية مساواة في الإرث بين الذكر والأنثى. فهل ثمّة موافقة على ذلك من قبل الذي أسقط الصيغة وقال بالدولة المدنية؟.
ومن دون هذا السند الأساس، لا دولة مدنية (…)
تلك نماذج خمسةٌ عن الدولة المدنية نكتفي بها في هذه العجالة.
إلى ذلك، يبقى أنّ الذي قال بـ”نهاية الصيغة” قد يكون أُشكِل عليه الفارق بين الصيغة وبين الميثاق الوطني وشتّان ما بين الإثنين وإن كان ثانيهما يُكمل الأولى. ونكتفي بالإشارة إلى أنّ الميثاق الوطني بين الأطياف اللبنانية يقوم على العدالة والمساواة والإنماء المتوازن والعيش المشترك وهو ما ورد في الفقرة “ي” من مقدّمة الدستور التي تنص حرفيا على انه «لا شرعية لاي سلطة تناقض العيش المشترك».
باختصار، إننا، على صعيد شخصي، مع الدولة المدنية ونحن نعرف ماهيّاتها فهل من قال بها وبسقوط الصيغة يلتزم بهذه الماهيات؟