تتوالى في هذه الأيام الدعوات إلى «الدولة المدنية». علماً أنّ النظام في لبنان هو مدني من حيث النصوص، وليس دينياً كما تنصّ عليه دساتير وأعراف دول المنطقة عموماً، مع إستثناءات نادرة. إلا أنّ الممارسة عندنا، تحول دون تطبيق الأنظمة والقوانين، الدستورية والوضعية، تطبيقاً سليماً.
من هنا ترتفع الدعوات إلى نظام مدني في لبنان، بمعنى إقتران النظام والقانون بالممارسة المدنية الفعلية، وتعديل النصوص حيث يجب تأكيداً على حسن الأداء في التنفيذ.
أمس، في الجلسة النيابية العامة التي اعتُبرَت فيها الإستقالات النيابية باتةً ونهائية (ذلك أنّ ليس لمجلس النواب صلاحية رفض الإستقالة أو قبولها، فقط يأخذ العلم بها، وبالتالي تُعتبر نهائية فور تلاوتها)، ركّز الرئيس نبيه بري على ضرورة قيام الدولة المدنية في لبنان، رابطاً ذلك باتّفاق الطائف، وأيضاً بإجراء الإنتخابات النيابية على أساس الدائرة الواحدة.
واضحٌ أنّ هذا القول يلقى قبولاً وإعتراضاً كذلك، ومن الجهات ذاتها. فالطيف المسيحي مع الدولة المدنية، بل هي مطلبٌ مزمنٌ لديه. وتطبيق الطائف هو أيضاً، مطلبٌ مزمن بعدما تجاوزت أطراف هذا الطيف الخلافات حول مبدأ الطائف الذي وصل الرئيس عون إلى سدّة الرئاسة بموجبه. أما ما يقومُ الإختلاف حوله فهو مبدأ إجراء الإنتخابات على قاعدة الدائرة الواحدة. إذ ثمّة إجماع على أنّ مثل هذا الأمر يعني ذوبان المسيحيين كلياً (أو من تبقى منهم). ويتعذّر إيجاد فريق مسيحي واحد: حزب، فئة، مذهب، تجمّع، هيئة… يوافق على الدائرة الواحدة. أما الدولة المدنية فنكرر أنّ لا خلاف عليها عند المسيحيين ومعهم. علماً أنّ تعريف دور هذه الدولة هو المحافظة على أعضاء المجتمع كلّهم وحمايتهم بغضّ النظر عن إنتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية (…) وهذه الدولة لا تقوم على الجمع بين الدين والسياسة، ولكنّها قطعاً لا تعادي الدين ولا ترفضه (وكيبيديا).
فمن لا يقبل هكذا دولة؟ على أن يُتَرجَم هذا التعريف نصّاً وروحاً وممارسةً.