تنادى أكثر من سياسي لبناني إلى الدعوة إلى “دولة مدنية”، وهو ما تصاحبَ مع دعوة جماعات في “الثورة” إلى الشعار عينه.
فهل بلغ لبنان شاطئ الأمان السياسي؟
أتناول نقطة واحدة في هذه الدعوة السياسية، وهي الأحزاب السياسية. أي دولة مدنية من دون أحزاب وتيارات سياسية غير… مدنية؟
فقد استرعى انتباهي أن رجلاً معمماً بصفة مذهبية يدعو إلى هذه الدولة. وأن رئيس البرلمان اللبناني يدعو إلى الدولة عينها، من دون أن يتضح لي ما إذا كانت حركته السياسية التي يرأسها، تعد في أعدادها منتسبين من خارج مذهب بعينه. وهناك حزب آخر، “سري” بالمعنى الحزبي، يدعو إلى إلغاء الطائفية السياسية فيما “يأتمر” (حسب تعبيره) بولي فقيه، ومن خارج بلده!
وهذا يصح في أحزاب وتيارات اخرى لا تعرف في العاملِين فيها أعضاء من خارج المذهب الواحد. وإذا ما اتسعَ خطابُها… “الوطني”، فإنها قد تَقبل منتسباً من خارج مذهبها، ولكن من دون أن يكون مسيحياً (في أحزاب إسلامية)، أو مسلماً (في أحزاب مسيحية)…
لا أحد، في هذه الغوغائية السياسية، يتحدث عن مدى “أهلية” هذه الأحزاب والحركات لمثل هذه الدعوة… المدنية. أتريد هذه الأحزاب أن تُنشئ دولة… مدنية بهذه العدّة المذهبية الفاقعة والمجرَّبة!؟
ألا تحتاج هذه الأحزاب إلى “إعادة تأهيل”، إلى شروط ترخيص مناسبة في وزارة الداخلية؟ هل استحصلت هذه الأحزاب على “علم وخبر” بوجودها من الوزارة المعنية؟ ألا يكون التفكير والعمل لوجود أحزاب مدنية مناسِبة هما الشرط اللازم والضروري لبناء دولة ديموقراطية!؟
ألا يكون من الأجدى – في أول مسعى جدي لقيام الدولة المدنية – البحثُ في قانون جديد للأحزاب يتوافق مع هذه التطلعات الديموقراطية؟
الجديد والأكيد والمحيي في هذه الحرب المذهبية المكشوفة، هو أن تياراً عريضاً يتشكل خارج هذه المنظومة، في الشارع، حول المواقف، في الحراك العميق منذ الخريف الماضي: إنه الوعد الوحيد بانبلاج فجر أكيد، وخلاصي، للمدنية اللبنانية المتنامية.