تدخل دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون الى «إلغاء التوزيع الطائفي للوزارات التي سُميت بالسيادية وعدم تخصيصها لطوائف محدّدة»، وتحذيره بالتالي من «أنّنا ذاهبون الى جهنم» في حال لم يتمّ التوافق على «وضع رؤية حديثة لشكل جديد في الحكم يقوم على مدنية الدولة»، على ما قال، وبحسب ما دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارتيه الى لبنان، تدخل هذه الدعوة ضمن دعم المبادرة الفرنسية ومحاولة إنقاذها من الموت.. فالرئيس عون مقتنع، على ما يقول مصدر سياسي مواكب بأنّ فرنسا تقدّم له فرصة يحتاج إليها جدّاً في المرحلة الراهنة لإنقاذه والعمل على تحقيق الإصلاحات والنهوض والإستقرار، ولا بدّ من دقّ جرس الإنذار لكي يعي المسؤولون خطورة الوضع.
وأوضح أنّ الدولة المدنية هي الحلّ السياسي للبنان الذي يُنادي به الرئيس عون منذ عقود، وخصوصاً أنّ التعايش المشترك بين أبناء الشعب شيء، وهذا يجب الحفاظ عليه طبعاً، فيما الإرتهان للطوائف والمذاهب هو الذي غالباً ما يُؤدّي الى إحباط خطط الحكومات السياسية والإقتصادية والمالية وسواها، وهو ما يجب التخلّي عنه.. فالدولة المدنية توصل الشخص المناسب الى المنصب المناسب بعيداً عن طائفته ومذهبه وعن المحسوبيات والوساطات التي تدعم وصوله الى مكان ما قد يستحقّه غيره من طائفة أخرى.
أمّا الوصول الى هذه الدولة المنشودة، فلا يُمكن أن يحصل بين ليلة وضحاها، بل يحتاج الى أن يتمّ التأسيس له عبر خطوات عدّة ومسيرة طويلة. ولعلّ الوقت مناسب اليوم للبدء بالخطوة الأولى وهي إلغاء التوزيع الطائفي ووضع رؤية حديثة، على ما دعا عون، والى البدء بعصر أو عقد جديد، على ما اقترح ماكرون، ما قد يُشكّل بداية «الجمهورية الثالثة» التي حان وقت ولادتها في لبنان. هناك مفترق طريق جديد، على ما ما يرى المتابعون، وعلى اللبنانيين الإستفادة منه بدلاً من هدر الفرصة هباء مجدّداً والدخول في النفق الأكثر ظلاماً هذه المرّة.
ولأنّ التغيير لا يحصل أيضاً بشكل فجائي، فمن المهم، على ما يرى المصدر نفسه، أن يتمّ الأخذ بما اقترحه الرئيس عون عن «وقف الإستقواء على بعضنا بعضاً ووقف الإستقواء بالخارج الذي لن ينفعنا»، والعمل على التوافق الداخلي مع وضع مصلحة البلاد فوق كلّ إعتبار. علماً بأنّه طالب، في الوقت نفسه، بعدم استبعاد الكتل النيابية عن عملية تأليف الحكومة الجديدة كونها هي التي ستعطي الثقة لها في المجلس النيابي. وهذا يعني أنّه لا بدّ لهذه الكتل من إبداء رأيها في التشكيل، فضلاً عن تسهيل العملية بدلاً من عرقلتها بسبب بعض المصالح نفسها.
وبرأيه، إنّ ما دعا اليه عون لا يهزّ تفاهماته مع الحلفاء، لا سيما مع «حزب الله» ولا يوسّع بالتالي الشرخ بينه وبين الخصوم السياسيين، بقدر ما هو كلام عالي السقف الهدف منه هو حثّ جميع السياسيين على الإستفادة من الدعم الذي يقدّمه الرئيس الفرنسي للبنان حالياً، وما يعد به بإعادة ثقة المجتمع الدولي بحكومته. فتفاهم مار مخايل منذ التوقيع عليه في 6 شباط من العام 2006 وحتى الآن كان تحالفاً بين حزبين أساسيين في البلد، علماً بأنّ التباين في بعض وجهات النظر بينهما حول عناوين معيّنة لم يزعزع أسسه.
وقال المصدر نفسه بأنّه في حال لم يتمّ التوافق بين المكوّنات السياسية على ضرورة تشكيل حكومة من الإختصاصيين سريعاً، بعيداً عن التصلّب الشيعي والتعنّت السنّي اللذين يزيدان حالياً من تأزّم الوضع، فإنّ ثمّة نزيفاً غير مسبوق من الهجرة الشبابية سيشهده لبنان.. وهذا الأمر سيجعل الباقين فيه من كبار السنّ من اللبنانيين فقط، الى جانب اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين ومن العاملين الأجانب المتبقّين من دول عدّة مثل مصر وأثيوبيا وبنغلاديش وسريلنكا وسواها. وهذا الأمر، بحسب ما أشار، هو أكثر ما يخدم مصلحة الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.
فكلّ ما يهمّ أميركا وإسرائيل هو إبقاء لبنان بلداً مهجوراً من أبنائه وأهله، ومسكوناً من بعض اللبنانيين العجائز ومن كتلة من الأجانب العاملين فيه، لا يعنيها مُطلقاً مواجهة الإعتداءات الإسرائيلية على ثروة لبنان النفطية في المنطقة البحرية، أو الإستيلاء على أراضيه التي لا تزال تحتلّها، أو على أي من ثرواته الطبيعية. وهذا ما يُطمئن الجانب الإسرائيلي ويجعله يربح في عملية ترسيم وتثبيت الحدود البحرية والبريّة التي تقودها واشنطن عبر وسيطها مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر… فيما التوافق الداخلي وتشكيل حكومة من إختصاصيين ذون صلاحيات إستثنائية وتحقيق الإصلاحات المطلوبة وتنفيذ عملية الإنقاذ… كلّها أمور من شأنها انتشال البلد مجدّداً من الإنهيار والسير به نحو الدولة المدنية والنهوض، الأمر الذي يُعيد ثقة الشعب اللبناني به ويجعله يتمسّك بأرضه، فضلاً عن استعادة ثقة المجتمع الدولي به، وإلاّ فإنّنا سنكون عندها فعلاً بحاجة الى أعجوبة لكي تُبصر الحكومة الجديدة النور قريباً، على ما قال عون، وذاهبون بالتالي الى جهنم.