ليس الجمود الظاهر سوى فاصل قصير في التراجيديا اللبنانية. شيء من هدوء ما بعد العاصفة وما قبل العاصفة المقبلة، وشيء من التسليم بالعيش في بلد من دون سلطة. لا أحد يعرف ماذا يفعل للخروج من الفراغ الحكومي، ولا مهرب من سؤال مخيف بعد التفشيل الممنهج لمبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون: هل ما رأيناه هو سقوط مبادرة ام سقوط الظروف التي قادت الى السعي لإنقاذ لبنان من “خطر الزوال”؟
في البدء كان التساهل في مواجهة القدر الذي يرسمه لنا الآخرون، بالعجز او بالتواطؤ. قدر ان يبقى لبنان مصادراً لدور أكبر منه، ومحكوماً بتركيبة سياسية اصغر منه. وفي الحالين دفع البلد والناس أثماناً باهظة، من ثمن الحروب الحارة والباردة، وحتى ثمن ما تخسره القوى الاقليمية في نهاية اللعب بلبنان، الى ثمن إثراء التركيبة السياسية التي أفقرت اللبنانيين واخذت البلد الى هاوية أزمات متراكمة.
والواقع ناطق. النظام “مكربج”، تأليف الحكومات صار مشكلة عويصة معقدة بحبال في الداخل والخارج. كذلك انتخاب رئيس للجمهورية بحيث يحتاج الى صفقة بين العواصم المؤثرة في المنطقة والعالم، ومن الصعب إصلاح “الكربجة” بالاحتكام الى الدستور حين نكون في نظام “فيتوقراطي” تحت عنوان ديموقراطي. والأصعب هو إدارة التوازن الدقيق في النظام الطائفي. اما المستحيل، فانه ما نحن فيه اليوم: إدارة خلل كبير في النظام الطائفي. وهو خلل خطير بدأ بالتطبيق السيئ لبعض اتفاق الطائف والامتناع عن تطبيق بعضه الآخر، المهم والحيوي، ثم ازداد خطورة بتحميله أعباء فائض القوة والتماسك لدى طائفة وظاهر الضعف والخلافات بين بقية الطوائف وداخلها. والعبء الاكبر عليه هو الدور المطلوب ان يلعبه لبنان في صراع المحاور والمشاريع الاقليمية والدولية.
والمشكلة ليست في الشراكة، ولا نقص في الشراكة، المشكلة ان “الشراكة الميثاقية” التي يطلبها “الثنائي الشيعي” تحت عنوان وزارة المال و”التوقيع الثالث” هي شراكة بمنطق الغلبة التي تتخوف بقية الطوائف من ان تكون مجرد خطوة تتبعها خطوات على الطريق الى نظام آخر. اي نظام؟
المؤكد بالطبع انه لن يكون نظاماً علمانياً. ولا احد يصدق انه سيكون نظام دولة مدنية. ولا مجال لفرض نظام ديني على بلد من 18 طائفة. وكان الشيخ محمد شمس الدين قد اكّد انه “لا يمكن توليد شرعية سلطة مدنية على اساس ديني، ولا مجال لدولة دينية في مجموعات متنوعة”.
والناس يائسة وخائفة. والتركيبة السياسية لاهية. و”الخوف مستشار سيئ، لكن اللامبادرة مستشار أسوأ”.