Site icon IMLebanon

فوق سدة الفراغ المدوي

 

يتحدثون عن حرب أهلية، وانا أسمع، في هبوب الهواء، طقطقة تصدعات، وأتبين أناساً لا يقوون حتى على الخروج من البيت الذي يتداعى.

 

يتحدثون عن حروب قادمة، وانا لا أسمع، ولا أرى، ولا أقرأ غير صلصلة السلاح عند فريق واحد: كما لو انه يريد الهجوم الإستباقي، وتدبير العذر الواهي لأفعاله العنفية المتمادية واللاحقة.

 

يتحدثون عن الميثاق والدستور والشراكة فيما لا أجد غير سياسة التحكم والإمساك الشديد بمقاليد الحكم.

 

يتحدثون عن الإصلاح والمحاسبة والملاحقة واسترداد الاموال المنهوبة فيما لا أجد غير قوانين أو قرارات لا تفضي إلا إلى قوانين وقرارات، اي التشدق الإعلامي بما لا يفعلون.

 

يتحدثون عن الكرامة والمناعة والعزة والشرف، فيما لا اسمع غير خطاب الألم، ولا ارى غير صور الدمار، ولا أقرأ غير عبارات النقمة.

 

يتحدثون عن وزراء “اختصاصيين”، لكنهم يطلبون تحديد المرجعية التي تسميهم!

 

يتحدثون عن “حقوق” الطوائف، والمناصفة بين المسيحيين والمسلمين، فيما يقصدون من ذلك مقدار حصصهم وتحكمهم بهذه الطائفة او تلك.

 

يتحدثون عن المواطنين، فيما يقصدون الازلام والمحاسيب والكسبة الصغار في العنف البسيط او الكبير.

 

يتحدثون عن الخيانة والعمالة والانقياد الى ولاءات اجنبية لدى غيرهم، فيما تنزل الأموال والمساعدات إليهم مباشرة من السماء السابعة، في حقائب خاصة من الطهرانية والتسامي والنقاء.

 

يتحدثون ويتحدثون بكل قباحة وفجور، فيبدو حديثهم غلافاً واهياً لعنف استبدادي شديد، فيما لا يقوى المحتجون إلا على الاحتجاج، من دون قدرة على الاجتماع، على التوحد، على تشكيل معارضة فعلية تتعدى بعض اجتماعات “الأعيان” في الاحتجاج.

 

يبدو ان أشباح سيطرة العنيفين تتجول بين صفوف المحتجين، وان الصراخ المتفرق لا ينشئ جوقاً، ولا ينتج مصلحة عامة مشتركة.

 

يبدو ان العنيفين ينكشفون أكثر، وتلمع أسنان تكشيرتهم، فيما تبدو رؤوس الجمهور مثل حبات سُبحة في أيدي الجالسين فوق سدة الفراغ المدوي.

 

بقي لهذا العنف- الذي بات مكشوفاً حتى للسذج- أسياده ومنتفعوه في علو الكراسي المنخورة، وأمام ثكالى وجوعى ومسلوبي القدرات ممن لا يصلحون حتى لرفع اي صوت.

 

يا لهذا الوطن المتساقط في قرقعة الكلام عن الجباه الشامخة والكرامة المصانة!

 

إن شعباً يُهان ويستباح إلى هذه الدرجة لن يسعفه صاروخ، أو أحاديث دينية، في هذا التهاوي المأسوي الذي يشمل جمهورية الخراب المتمدد.