IMLebanon

إقحام لبنان في قلب المواجهة بين شرور الجغرافيا وأمن الدول!

 

 

الكريهة من التاريخ إلى ضاحية الحرب الأهلية

 

 

بغفلة من الزمن، أو بوعي من التاريخ، كادت «الكريهة» أن تصبح عنوان الأحداث في هذا البلد، الذي يمر بأقسى محنة أو أزمة، لم يعرف العالم نظيراً لها منذ قرنين، وهي خلافاً لمنطق التاريخ متمادية في الصعود، لولا أن سلَّم الأولويات لدى حزب الله، شاء أن يلجم الذهاب إلى تصفية الحسابات، والرد على القتل بالقتل، فضلاً عن حسابات الجيوبوليتكا في الشرق الأدنى، امتداداً إلى الشرق الأوسط.. ورفض الحزب جرّه إلى «الضرب والطعن» في الشوارع والساحات، لذا عندما توعد كان يسعى إلى منع «الكريهة»، و«الكهريهة» تعني الحرب، واستخدمها الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم في معلقته، إذ قال:

 

اليوم كريهة ضرباً وطعناًأقر به مواليكِ العيونا

 

الحرب عند اللبنانيين مكروهة، لكن مؤشرات كثيرة، تدل على أن المسار يسير بهذا المنحى، ليس كقدر محتوم، بل كسياق تاريخي، له شواهد هامة في محطات التاريخ، لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية، وتحوّل المقاومات إمَّا إلى السلطة أو الإنخراط في مشروع الدولة، على هذا النحو أو ذاك، كما حصل مع المقاومة الفرنسية، واضطرار الجنرال ديغول، للوقوف مراراً وتكراراً على خاطر تحالف اليسار الفرنسي الذي قاد المقاومة الفرنسية ضد البربرية النازية، وكانت ممثلة قوة اليسار في المقاومة، والانتخابات والعملية السياسية.

 

ينقل عن ديغول قوله، ذات مرّة لليون بلوم زعيم الحزب الاشتراكي، الذي تولى تشكيل الحكومة الفرنسية لمرات عدّة، بتكليف من ديغول، ولموريس توريز زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي، انه إذا لم يقبلا به، فهو لن يترشح لرئاسة الجمهورية..

 

حفظ اللبنانيون، على جملة تنوعهم، وتعدد طوائفهم لحزب الله، الذي قاد في السنوات العشرين التي سبقت الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، وإعلان عيد المقاومة والتحرير في 25 أيّار من العام نفسه، الجميل بتحرير الأرض، ودخل في الحياة السياسية، على مستوى النيابة منذ أول انتخابات في العام 1992، وفي الوزارة، بعد الحدث الزلزال الذي تمثل باغتيال رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان لعقود منذ العام 1992، عندما انتقلت الرئاسة الثانية والثالثة إلى الجنوب..

 

شكل القرار 1559 محطة فاصلة في الصراع الدولي- الإقليمي على لبنان، بعد إسرائيل واندحار جيشها من لبنان، جاء دور إخراج الجيش السوري من بلد الأزمة، ومعه القوة العسكرية لحزب الله (ثمة تلازم صيغ دولياً، من دون تبيين الروابط والارتباطات والصياغة العلليّة).

 

حدث ما حدث، بات «حزب الله» القوة المحلية، ذات الوظيفة الإقليمية، مع سلسلة أحداث عصفت بالبلدان العربية، ذات التكوين الشمولي، الفاسد، تحت مسمى «الربيع العربي» تيمناً بمسمى «ربيع براغ»، أو ربيع أوروبا الشرقية.

 

لا حاجة لسرد الأحداث أو ايرادها. المهم أن الحرب في سوريا، دفعت حزب الله علناً إليها، وأحصي من خسائره البشرية ما يفوق، ربما، الخسائر، على مستوى الشهداء والجرحى والمعاقين، في حرب التحرير ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي..

 

المهم أن الحزب، الذي انخرط بقوة في الصراعات الإقليمية، وجد نفسه، مؤثراً ومتأثراً بالإنقسام العربي الخطير، وإخراج سوريا من جامعة الدول العربية، وبروز ما يسمى بالمحور «الإيراني- السوري» المتحالف، على نحو موضعي مع روسيا فلادمير بوتين، أو ما بات يعرف «بالاتحاد الروسي» الذي حلّ محل الاتحاد السوفياتي السابق، والذي كان يُطلق عليه حلفاؤه، لقب الاتحاد السوفياتي العظيم.

ad

 

جاءت حرب اليمن، مع نمو الحركة الحوثية، لتزيد الطين بلة.. ولا داعي لسرد الوقائع، أو حتى إيرادها.. أصبح «حزب الله» في حالة عداء كبير وخطير، واضح، وجلِّي مع دول الاعتدال العربي، لا سيما المملكة العربية السعودية، التي راجعت التجارب، وقررت المواجهة مع المحور الإيراني.

 

في قلب المواجهة هذه، دخل لبنان في شرّ الجغرافيا، والتشكلات التاريخية، ولعبة المصالح، وأوراق النفوذ والقوة.. جاهر السعوديون، ومعهم الخليجيون مراراً وتكراراً بخطر حزب الله على ما يمكن وصفه «بأمنهم القومي»، وبادروا إلى إجراءات لحمل الدولة والحكومة في لبنان لاتخاذ إجراءات ما، لكبح جماح الحزب، إلى أن أيقن هؤلاء وأولئك أن المسألة ضرب من اللاجدوى، وتحولت الملاحظات إلى عداء وإجراءات..

 

من زاوية أوراق الضغط، جاءت الخطوة السعودية، بهدف كبح جماح التدخل لدى حزب الله، في صراعات الإقليم، التي تعني الدول، ضمن نفوذ المصالح الكبرى، بصراعاتها وتشابكاتها.

 

ولعل الزميل عبد الرحمن الراشد، وضع يده على الجرح، عندما وضع الخطوة السعودية، في سياق يختلف عن السياق «الذرائعي» المتعلق بتصريحات وزير حالي في الحكومة، عندما كتب: «الخطوة السعودية لحسب السفراء، نتيجة أزمة طويلة من وراء نشاط «حزب الله» ضد السعودية، حيث قاتل رجاله في اليمن ويقودون معاركه تحت اسم خبراء وفنيين. أما تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي فليست بذاتها تستحق الرد».

 

السؤال الآن، الرياض ليست بوارد الضغط لإسقاط الحكومة، التي يؤخذ عليها أنها حكومته، باعتبارها مشكلة لبنانية، قبل أيّ شيء آخر، فما الذي يتعين فعله، لإحتواء الموقف، بعد التدخل الأميركي والأوروبي لحماية الإستقرار أو مشروع إعادة وضع البلد على سكة التعافي؟ الإجابة، لا تستدعي المكابرة، ولا المكاسرة، لا بدَّ من خطوة من الوزير المعني، وهي بالتأكيد ليست أقل من استقالة.. لئلا تذهب الأمور باتجاهات معقدة قبل الأوان أو فواته!