«قوّصوا بنصّ راسو»، مشهدٌ من يوم أمس في طرابلس، سبقته مشاهد كثيرة لشباب كلّ واحد منهم «قدّ الحيط» ملقىً على الأرض يسبح بدمه، دائماً هناك خلافٌ على أفضليّة ما، من يتذّكر اليوم تلك الحادثة في تموز العام 2015 وذلك الرجل جورج الرّيف وزوجته المذعورة الذي طارده بسيارته أحد الزّعران المحميّين في خلاف على أفضليّة المرور طارده حتى منطقة الصّيفي وبعد أن أنزله من سيّارته أمعن فيه ضرباً وطعناً ووقف النّاس يتفرّجون ويصوّرون أمّا القاتل فكان قد تسبّب في مقتل شابين قبل جورج الرّيف في منطقة أخرى وقبلهما شاب آخر عام 2012، هذا النّوع من الجرائم لهذا السبب وأسباب أخرى تتكرّر كلّ يوم وفي مناطق متعدّدة وعلى الجميع الاعتراف أنّ السّلاح الفردي لحزب وسراياه التي لمّت كلّ الخارجين على القانون وسلّحتهم وأوصلت البلاد إلى هذا الحال خصوصاً في طرابلس، على الجميع الاعتراف أنّ لتفلّت السّلاح في طرابلس وعكّار وبيروت وصيدا والجنوب والبقاع وكلّ المناطق اللبنانيّة مدروس ومطلوب، وعلينا أيضاً الاعتراف أنّ البلد يجلس على برميل بارود كاد أن ينفجر بسبب فوز المغرب على البرتغال؟!
من المفزع أن يستخف أحد رجال الدين بما حدث بالأشرفيّة. ولا بد أن نلفت نظره إلى كيفيّة اندلاع الحرب الأهليّة يوم 13 نيسان عام 1975 بسبب ما يُسمّى «بوسطة عين الرّمانة»، يومها كانت الأجواء متوتّرة ذاك الأحد ومرّت سيارة وأطلقت النيران عند باب كنيسة وقتل مرافق الشيخ بيار الجميّل رئيس حزب الكتائب، فتوتّرت عين الرّمانة بعد الحادث وعندمّا مرّت البوسطة وبداخلها الشباب المتحمّس وأعلام فلسطين مستفزّين أهل المنطقة كان ما كان واحترق لبنان، ولا بد أن نشرح له عن السبت الأسود وكيف قتل ثلاثمئة بريء لرغبة انتقام مدمّرة نفّذها أحد مجرمي الحرب الأهليّة ردّاً على مقتل شابين من عائلته، أحدٌ ما أراد أن يصير الدّم إلى الرّكب عندما قتل أربعة شبان كتائبيّين وألقى جثثهم في إحدى ضواحي بيروت الشرقيّة، وهكذا جرفنا سيل الدمّ وتكاثر المجازر!
هذه المرّة ستلعب المغرب ضدّ فرنسا ولا تنفع الحماسة وتركها على غاربها مهما كانت النتيجة فهناك لبنانيون كثرٌ يحملون الجنسيّة الفرنسيّة ويشجّعون المنتخب الفرنسي وهناك لبنانيّون كثرٌ أيضاً سيتحمسّون للمغرب من باب تشجيع منتخب عربي يصل للمرة الأولى إلى نصف النّهائي في المونديال، في فرنسا نفسها القلق يسود الأجواء فهناك الملايين من الفرنسيين المغاربة الذين سيشجعون منتخب المغرب أرض الأجداد والآباء متجاهلين أنّهم مواطنون فرنسيّون وهناك الفرنسيون الذين سيشجعون منتخب بلادهم، وفي حال فوز أيّ من الفريقين وخسارة الآخر ستشتعل فرنسا، في لبنان سينتهي بنا الأمر أن تنقلب الحماسة الجاهلة والعمياء إلى نزاع طائفي، وهناك فعلاً من يريد إشعال نيران قد تخرج عن السيطرة وتذهب بنا إلى ما لا تحمد عقباه!
الحديث عن الوعي والرّوح الرّياضيّة وبراءة الأحداث ليست دقيقة أبداً، هناك من يريد افتعال مشكل في البلد.. بالتأكيد لن يأتي أهل الأشرفيّة على دراجاتهم النّاريّة يحملون الأعلام الفرنسيّة إلى الطّريق الجديدة وصبرا والفاكهاني وشاتيلا وغيرها ليستفزّوا أهلها بفوز فرنسا، ولكن هناك من يريد أن يأخذ شباب المناطق الطريّق الجديدة ونواحيها إلى فتنة صمّاء في لحظة فراغٍ وضعف رهيب يتآكل الدّولة، هناك دائماً مدسوسون يعرفون من أين تؤكل كتف الحرب الأهليّة!