Site icon IMLebanon

هل تعود الحرب الأهلية؟

 

 

هل تعود الحرب الأهلية اللبنانية؟ رُبّما لا يكفي القول إنّ السلاح الكفيل بخوض غِمار حرب أهلية موجود لدى فئة بعينها هي “حزب الله”. بالتالي، لا حرب إلّا بقرار من هذه الفئة، ولا قُدرة للفئات الأخرى على المواجهة. ولن يتجاوز الأمر الّا هذه المناوشات التي تؤدّي مُبتغاها من التهديد الضمني بضرب السلم الأهلي، اذا ما تجرّأ اللبنانيون على المطالبة بحقوقهم، فيخافون وينكفئون… أو أنّ السلاح خارج الدولة سيُكرّس الفوضى، لينتقل من مرحلة التلويح الى مرحلة التفعيل. ويحتلّ صاحبه الأرض مُعلناً أن الأمر له، وُمنهياً مرحلة المواربة الحالية مع واجهات لمؤسسات دستورية تأتمر بتعليماته وتُنفّذها.

 

لكن لا بدّ من طرح السؤال، مع كمّية الحقد المذهبي بين سُنّة وشيعة، والتنابُذ الطائفي بين مُسلمين ومسيحيين، برعاية أحزاب لا تضمن استمراريتها الا بشدّ العصب الطائفي. فهذا الحقد الذي لا يحتاج تبيان هلاله سبتاً أسوَد جديداً أو شِعاراً بتطبيق القرارات الدولية القاضية بنزع أي سلاح خارج الدولة، أو حتى شتيمة من هنا أو من هناك لرموز دينية.

 

هذا الحقد يُشكّل استراتيجية تُطبّق بنفس طويل وعلى المدى الطويل، ولا ينام ولا يرتاح ولا يتوقّف مع التفاهمات والتحالفات بين القوى التي تختزل باسم المذهب مصير رعاياها ومريديها، وتحول دون وصولهم الى رتبة المواطنين، وتحوِّلهم الى باطنيين، يتعايشون ظاهراً مع الآخر في هذه الرقعة المُسمّاة دولة، ولم يعد لديها من الدولة الا الإسم.

 

لذا، من المُضحك المُبكي اعتبار ما جرى ليل السبت ـ الأحد “قطوع فتنة” وتمّ تجاوزه مع هذه البيانات الممجوجة بالشجب والاستنكار وإدّعاء احترام رموز الآخرين الدينية المقدسة.

 

في الأساس، تبرير الهيمنة والفوضى الأمنية بـ”رموز دينية لآخرين” يقضي على مفهوم المواطنة وعلى مفهوم الإنسانية وحقوقها. ويُشكّل صيغة خبيثة تستدعي من هؤلاء الآخرين الاعتراف برموز في الجهة المقابلة تُشَرّع السلاح خارج الدولة، وتسمح لمن يقتنيه بأن يستخدمه عندما يدَّعي بأن السبب حماية مقامات وأضرحة وطريق حرير مُمتدة من رأس المحور الممانع الى الثغور على البحر المتوسط.

 

والأهمّ انه يُشكل ذريعة لتحويل كل اللبنانيين الى آخرين، ويُحلِّل خروجهم من كل الجبهات والمتاريس الطائفية الى الشارع، والتعدّي على غيرهم أرواحاً وممتلكات، عندما تُمسّ كرامة رموزهم بفعل فاعل، فيُترك لهم حيزٌ لتنفيس غضبهم، ومن ثم العودة الى كهوفهم الإنعزالية بعد دعوات التعقل والإلتزام برباطة الجأش… و”قطوع ومرق”.

 

ومن يحسب أن حجمه الحالي وقوّته الحالية كفيلة بأن يستمرّ الى أبد الآبدين مُمسكاً بالسيادة يرهنها لمصلحة مُشغّله الإقليمي، يغفل عن أنّ للساحات المذهبية الأخرى القدرة على النموّ والتحشيد وصولاً الى التسلّح، بما يفتح جبهات يسعى إليها مُشغِّلون آخرون. وقد بدأت تبرعم هنا وهناك تحت راية الطائفة المظلومة او الطائفة الخائفة.

 

اللعبة وسخة. هذا أقلّ ما يمكن قوله. وطابخو السُمّ قد يجدون أنفسهم يبتلعونه عندما تفلت خيوط لعبتهم من بين أيديهم، والفوضى التي يسعون إليها لمزيد من التحكم قد تنقلب عليهم، وحينها لن يكفيهم إصدار بيانات الشجب والإستنكار بعد أن تؤتي مشهديات تهديداتهم ثمارها للقمع والتهويل بالحرب الأهلية.

 

فهذه المشهديات بدأت تشحن مذاهب أخرى تتماثل بهم، وتغار منهم، للقيام بمثلها.

 

حينها، ستعود قطعاً الفتنة التي يعتقدون بأنّهم قادرون على تنويمها وإيقاظها، وِفق مُتطلّبات استراتيجيتهم.. “والله يستر”.