IMLebanon

من صراع طائفي إلى حربٍ أهليّة

 

 

 

كيف نحمي لبنان؟

 

 

لم يكن اللبنانيّون بحاجة ليقرأوا أخبار انتقال مسؤولين إيرانيّين بالحرس الثوري إلى السفارة الإيرانيّة في بيروت لإدارة “حزب اللّه” مباشرة بعد القضاء على قياديّيه ليعلموا أنّ الحرب الدائرة على أرضهم حاليّاً، هي مبارزة إيرانيّة – إسرائيليّة بالواسطة. كان هذا الجانب من المأساة التي نعيشها واضحاً منذ كلّفت طهران محورها بمهمّة مزدوجة، جوهرها العمل كخطّ دفاع أوّل عن قبضة نظام الملالي على الداخل الإيراني من جهة، وعرقلة التقارب السعودي – الإسرائيلي، من جهة ثانية.

 

في الحقيقة، لم يكن دخولنا المحرقة محتّماً لولا الحسابات الإيرانيّة. ذلك أنّ الجغرافيا ليست قدراً، بدليل نجاح الأردن ومصر، في تجنّب السقوط في أتون غزّة. يبقى طبعاً أنّ الأردن دولة، ومصر كذلك. لبنان بالمقابل، ساحة لا دولة ووظيفة الساحة أن تسفك دماء أبنائها فداء عن سواها وبالتالي يهرق الصراع الإيراني – الإسرائيلي دماء اللبنانيّين الشيعة، لا دماء الإيرانيّين.

 

والحال أنّ الصراع الإيراني – الإسرائيلي عندنا واحد من مواجهات أربع، دارت رحاها فوق أرض لبنان في العقود الأخيرة. أمّا الحروب الثلاث الأخرى بالواسطة فهي:

 

الصراعات العربيّة – العربيّة (فكّر مثلاً بتدمير طرابلس في المواجهات بين حافظ الأسد وياسر عرفات في الثمانينات أو فكّر بتفجير السفارات والخطف والاغتيالات، على خلفيّة المواجهات السوريّة – العراقيّة، والسوريّة – الأردنيّة، على أرض لبنان بالعقد نفسه).

 

الصراعات العربيّة – الإسرائيليّة (فكّر بتدمير بيروت يوم تباهى القادة الفلسطينيّون باستعدادهم لتحويلها لستالينغراد ثانية، بمواجهة الجيش الإسرائيلي، عام 1982.

 

الصراعات العربيّة – الإيرانيّة (فكّر بمعارك إقليم التفّاح والضاحية ومجمل حرب “أمل” – “حزب اللّه” بالثمانينات التي كانت شكلاً من أشكال التنافس السوري – الإيراني على حكم لبنان. فكّر أيضاً باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخلفيّته صراع سعودي – إيراني على الأمر عينه).

 

سواء اصطدم العرب بالعرب على أرض لبنان، أو العرب بالإسرائيليّين، أو العرب بالإيرانيّين، أو الإيرانيّون بالإسرائيليّين، فالنتيجة دوماً واحدة، خراب بلادنا. ومع الإقرار طبعاً أنّ لكلّ من المواجهات الأربع منطقها الخاصّ، وظروفها، يبقى أنّ مسائل ثلاثاً أساسيّة تشكّل خيطاً رفيعاً يجمع بينها كلّها:

 

1- هناك دوماً مكوّن لبناني ما، يستدعي التدخّل الخارجي، أو بالحدّ الأدنى يرحّب به، بإطار الصراع الطائفي المستمرّ في لبنان. هكذا حال الشيعة اليوم مع إيران، والسنّة في الماضي مع ياسر عرفات، وجمال عبد الناصر، وقبلهما فيصل بن الحسين، وحال المسيحيّين مطلع القرن الماضي مع فرنسا، ومطلع الحرب الأهليّة مع حافظ الأسد، ولاحقاً إسرائيل.

 

2- بمجرّد أن يتداخل صراع المكوّنات على حكم لبنان في الداخل، مع صراع الدول لحكم الإقليم في الخارج، حتّى تفتح أبواب جهنّم في لبنان، وتسيل دماء بنيه أنهاراً فوق أرضه، وتصبح المقاومات المفترضة ضدّ هذا الاحتلال أو ذاك، عدّة حرب أهليّة بين جماعات غير متّفقة على تحديد هويّة العدوّ والصديق.

 

 

3- كلّ “شقيق أكبر” مفترض لمكوّن لبناني مستعدّ لاستخدامه حتّى آخر رجل منه، وامرأة، وطفل. قلب ملالي إيران قاسٍ على الشيعة اليوم ولكنّ قلوب ناصر، وعرفات، والأسد، وسواهم لم تكن أرحم في الماضي.

 

كيف نحمي لبنان إذاً؟ كيف نوفّر على بلادنا شلّالات دم جديدة كلّ عقدين أو ثلاثة؟ في الحقيقة، سواء أَتَعلّق الأمر بالقضيّة اللبنانيّة أم بأيّ مسألة معقّدة أخرى، يمرّ اجتراح الحلّ بالفهم الصحيح لطبيعة المشكلة. ومشكلتنا صراع طائفي دائم يحوّله تدخّل الإقليم في شؤوننا إلى حربٍ أهليّة. وأمّا حلّ مشكلة علاقات المكوّنات ببعضها البعض فمحال في ظلّ النظام المركزي. وأمّا حلّ مسألة التدخّل الخارجي، فيكون عبر الحياد.