IMLebanon

لبنان والحرب الأهلية: بين السردية التاريخية والحقيقة الراهنة

 

ترديد مقولة إن لبنان على شفير حرب أهلية يُعدّ معزوفة موروثة، ابتدعتها سرديّات حكومات لبنان المتعاقبة خلال فترة الاحتلال السوري لتفسير الأحداث بين عامي 1965 و1990. جاءت هذه السرديّات ضمن خطة ممنهجة تهدف إلى طمس الحقيقة وإعادة صياغة الأحداث بما يخدم أجندات السلطة آنذاك.

 

 

في تعريفها العلمي بحسب الباحث “كاليفاس”، وهو المتخصّص بالنزاعات الداخلية والحروب الأهلية، يشير إلى أنّ الحرب الأهلية هي نزاع عنيف بين الدولة (السلطة الشرعية) وتنظيمات غير حكومية مسلّحة تعمل داخل حدود الدولة. وهي تختلف عن الحروب بين الدول أو حركات التحرر التي تسعى لطرد الاحتلال الخارجي. وعند تحليل الحالة اللبنانية، يمكن تصنيف الأحداث بعد عام 2008، تحت هيمنة “حزب اللّه”، على أنها أقرب إلى الحرب الأهلية من المراحل السابقة التي كانت عبارة عن معارك تحرير ومقاومة ضد الاحتلالين الفلسطيني والسوري. بين عامي 1969 و1976، واجه لبنان من خلال السلطة والجيش اللبناني محاولة احتلال من منظمة التحرير الفلسطينية، التي سعت إلى تقويض سيادته واستخدام أراضيه كقاعدة لعملياتها الإقليمية. هذه المرحلة لم تكن حرباً أهلية، بل كانت معركة لاستعادة السيادة اللبنانية أمام مشروع خارجي.

 

 

شهد لبنان في هذه الفترة الاحتلال العسكري والسياسي السوري. ولم تكن مواجهات اللبنانيين مع هذا الاحتلال جزءاً من حرب أهلية، بل كانت نضالاً وطنياً تحررياً استهدف استعادة استقلال البلاد وسيادتها. تُوّج هذا النضال بـ “ثورة الأرز” التي جسّدت وحدة وطنية في مواجهة الاحتلال. شهد لبنان تحوّلاً جذرياً بعد أحداث أيار 2008، عندما استخدم “حزب اللّه” قوته العسكرية لفرض إرادته على الحكومة اللبنانية. بخلاف الاحتلالات السابقة، تمثل هيمنة “حزب اللّه” شكلاً من الحرب الأهلية. هذه المنظمة المسلحة غير الشرعية، ذات الولاء الطائفي والإيديولوجي لإيران، تسعى إلى تقويض سلطة الدولة والسيطرة على مؤسساتها عبر العنف والتهديد.

 

 

 

تحت هيمنة “حزب اللّه”، يعيش لبنان اليوم مظاهر الحرب الأهلية: دولة مفكّكة، سيادة غائبة، وانقسامات داخلية تعمّقها سيطرة جماعة مسلّحة تعمل خارج إطار القانون. هذا الواقع يعكس صراعاً داخلياً يهدّد وجود الدولة اللبنانية بمفهومها السيادي. بناءً على هذا التحليل، فإنّ لبنان اليوم لا يقف على شفير حرب أهلية، بل يعيش بالفعل مرحلة ممتدّة من الحرب الأهلية التي يقودها “حزب اللّه”. وعلى عكس الفترات السابقة التي واجه فيها لبنان احتلالاً خارجياً، فإن هذا الصراع الداخلي يتطلّب حلولاً جذرية تبدأ باستعادة السيادة الوطنية وتفكيك البنى الموازية للدولة.

 

إن معالجة الأزمة اللبنانية لن تتحقق إلّا من خلال مواجهة التحدي الأكبر المتمثل في دور “حزب اللّه” وهيمنته، فبغياب هذه الخطوة ستظلّ آمال السلام والاستقرار بعيدة المنال.