Site icon IMLebanon

إنتبه! “حرب أهلية”

 

“الإحتراب من أمامكم والنظام من ورائكم فإلى أين المفر؟”. بهذا المنطق الخبيث والوقح نَطق رؤوس الأنظمة وأجهزتها وإعلاميو السلطة وأذنابها على امتداد العالم العربي ولبنان، منذ ذاك اليوم قبل عشر سنوات بالتمام حين احتج التونسي محمد البوعزيزي مُضرماً النار بنفسه، ومطلقاً “الربيع العربي” الذي حولته سلطات الاستبداد الى قتل ودم ونزاعات أهلية وإتنية وجهوية، بدلَ ان يزهر ديموقراطيةً وتداولَ سلطة وحقوقَ مواطن وإنسان.

 

“إما نحن أو الحرب الأهلية”. هكذا انطلقت المأساة في دمشق وصنعاء وطرابلس الغرب، وعلى المنوال ذاته وبأساليب ودرجات تتنوع تحت العنوان نفسه، تقع عاصمة الرشيد تحت قبضة الميليشيات وسطوة طهران بعدما قُتل مئات الثوار، مثلما ترزح بيروت الجريحة تحت عبء منظومة ترفض الاستفادة من دروس الآخرين واثقةً بقدرة “الساحة اللبنانية” على تدعيم محور آخذ في الانهيار.

 

كان يمكن ان نفاجأ لو استنتجت المنظومة الحاكمة في لبنان ان “الربيع العربي” الذي شهدنا مقدماته في “ثورة الأرز”، ليس لحظة معزولة في تاريخ البلاد، وأن انتفاضة “حرية، سيادة، استقلال” ستستتبع حُكماً ولو بعد عشر سنوات بمطلب تحرير السلطة من الناهبين والمتحالفين للتمتع بالمناصب، وإبقاء لبنان رهينة اقليمية يمكن اخضاعها للتعذيب والابتزاز. لكنهم كعادتهم أداروا الآذان الصماء ولن “يغيّروا ما بأنفسهم”، لأن مَن شبَّ على التسلّط والتربّح على حساب الناس لن يستسلم لوجعهم، وسيستخدم ما ملكت يده من سلطة وأدوات “دستورية” وقمع وشرطة مجلس نواب ليقول انّ التغيير باهظ الكلفة وليعمّم روح الاحباط لدى شباب ثورة المواطنية مهدّداً بالحرب الأهلية.

 

منذ اندلعت “ثورة 17 تشرين”، لم يوفّر أهل المنظومة تهمة تخوين او وسيلة تخويف، ولم يتورّعوا عن استخدام نفوذهم الراسخ في القضاء لترويع صحافيين وأكاديميين أصحاب رأي ومغرّدين، ذنبهم انهم عبَّروا تحت سقف الدستور او تجرأوا على “مقدسات” وخطوط حمر اختُرِعت لضمان “هيبة” من لا يستحقون إلا السجن او الانزواء.

 

إنّها معركة مفتوحة بين الحق والباطل. وهي تتمثل اليوم في مقاومة التركيبة الحاكمة لمسار التحقيق في انفجار “عنبر النيترات”، لذا يتم تسخير الأدوات النيابية والزعاماتية والاعلامية كلّها بهدف تحذير القاضي صوان والشعب اللبناني من مغبة الوصول الى الحقيقة، ويحاولون قتلها في المهد عبر فذلكات مكتب مجلس نواب وفتاواه السفسطائية وعبر وقاحة “شاء من شاء وأبى من أبى”، وعبر الترويج لاستعداداتٍ موهومة لحربٍ أهلية مسيحية – اسلامية او “فتنة” يُوقظها نزاع سني – شيعي. وليس صدفة تخويفهم المسيحيين مكرّرين ما كان يروجه زوراً “مسيحيو صدَّام” والنظام السوري زمن الوصاية على لبنان.

 

هذه ليست كلّ عدة المنظومة للحؤول دون الحساب ودفع ثمن الارتكابات. لا يزال في أدراجهم الكثير. من هنا واجب الثورة التضامن الشديد مع القضاء ليطال الجميع بلا تمييز، علَّنا نصل الى الحقيقة في ملف المرفأ الخطير، ونفتح الباب لحملة “أياد نظيفة” تؤسّس لدولة قانون تلغي المحميات والحمايات وتحمي كلّ اللبنانيين.