IMLebanon

شعب «ما بيفرز» حرب أهلية «غير معلنة»

ما يحدث على رقعة امتداد شوارع ومناطق لبنان وحال الاستنفار الشعبي الغوغائية التي بات من يريد قادر على استدراجها إلى الشارع لقطع الطرقات و»رفع السواتر الترابيّة» يبدو كأنّه «بروفة» أخيرة قبل إشعال فتيل «حرب أهليّة» قد تندلع من دون سابق إنذار، وما شهدته شوارع العاصمة بيروت ليل الإثنين الماضي هو «بروڤة» لـ7 أيار أسوأ بكثير من العام 2008 بفعل احتقان الشارع البيروتي إلى حدّ الانفجار، ومشهد الاعتداءات المتنقلة من دارة آل سلام التاريخيّة إلى قطع شوارع العاصمة بنيران النفايات ومستوعباتها إنما هو «فوضى منظّمة» بأيدي معروفة غير مجهولة، ولا نُبرّىء أحداً من القيادات الصامتة في هذه الأزمة الغوغائيّة، ونحذّر من أنّ المشهد بات أقرب إلى ما سُمّي بـ»حريق القاهرة» إنّما تكريساً لسياسة نيران «الممانعة» تحت عنوان «حريق بيروت»!!

لا تُلام حكومة الرئيس تمّام سلام على المأزق الذي يواجهه اللبنانيّون، وحتى نكون منصفين حال الرفض العنيف لفتح أي مطمر جديد في أي منطقة لبنانيّة وحال الذعر التي تنتاب أهلها فيسارعون إلى قطع الطرقات لا يُلام عليها هؤلاء، فقد عاينوا من بعيد أزمة التمديد طوال سبعة عشر عاماً لمطمر النّاعمة وتقاعس كلّ الحكومات التي توالت منذ الطائف عن وضع حلّ لوطن لا يملك ترف ادّعاء الحضارة وهو لا يملك مصنعاً واحداً لإعادة تدوير نفاياته ولا التخلّص منها بشكل علمي وبيئي مناسب!! من الصّعب أن نصدّق أن بيروت العاصمة لا قطعة أرض فيها لحلّ أزمة النفايات الحاليّة، بالتأكيد هناك أرض ما في مكان ما ولكن التجارة والأسعار الخياليّة والمصالح الفردية تطغى على مصلحة العاصمة، وأتساءل من سيفكّر في شراء الشقق الفارغة ذات الأسعار المليونيّة في مدينة تغرق في النفايات لعدم توفّر مكان «يطمرونها» فيه على امتداد رقعة مساحة لبنان الصغير!!

لا يُلام اللبنانيّون الذين يقطعون الطرقات في وجه حلول المطامر المؤقتة، لا شيء «مؤقت» في لبنان بل وضع شاذّ يستمر لذا لا أحد يصدّق وزراء لجنة النفايات الصلبة عندما يقولون: «حلّ مؤقت لشهرين»، هذا المشهد قد يتكرّر في شوارع بيروت نفسها في حال وقع الخيار على مطمر في الأشرفية أو البسطة أو أي منطقة أخرى، ستنقلب المناطق في بيروت على بعضها وأهلها بأنفسهم سيرفضون أن تطمر نفايات بيروت في المدينة نفسها!!

المشكلة هي في عقليّة اللبناني، من يتذكّر اليوم حجم معاناة شركة سوكلين في بدايات عملها وإعلاناتها الداعية لإخراج النفايات في وقت محدّد، ووضع النفايات في أكياس محكمة الإقفال، حتى اليوم هناك من يستكثر وضع نفاياته في أكياس النايلون، ويرسلها «فلت» إلى المستوعبات، أي شعب هذا الذي عليه أن يتعلّم ثقافة «فرز النفايات» المنزلية من داخل المنزل؟ وأي «ناطور» مبنى سيفهم ثقافة لون الكيس، ثمّة مثلٍ يستخدمه اللبناني للتدليل على عدم وجود فروقٍ بين الجيّد والبخس فيقول: «كلّو عند العرب صابون»!! نحن «شعب ما بيفرز»، ما زلنا نرمي النفايات من شباك السيارة لأننا لم نتقبل فكرة وضع كيس نجمع فيه نفايتنا المتنقلّة وإلقائها لاحقاً في المكان المناسب!! من يذكر ذاك الإعلان التوجيهي من مطلع ثمانينات القرن الماضي: «عيب عيب عيب.. ترموا من السيارة قشر لوز وقشر موز ومحارم ورق»…

اليوم؛ نحن أسرى هذه العقليّة، وفيما تجهد الحكومة عبر لجنة النفايات في البحث عن مطامر مؤقتة قد يمتد توقيتها إلى حين وضوح الرؤية في الوضع الإقليمي أو حتى استعادة فلسطين ربما، اخترنا أن ندفن لبنان وبيروت العاصمة تحت أكوام من النفايات والنيران الغوغائيّة التي لن تلبث أن تتحوّل من نيران يعبث بإشعالها «زعران» ما يسمّى بـ»سرايا المقاومة» في حرب أهلية غير معلنة، إلى نيران حربٍ قد ينزلق إليها اللبنانيّون بفعل «الضغط اللي بيولّد الإنفجار»…