لم تتأخر أنقرة في «توضيح» كلام رئيس الحكومة التركية بن علي يلدريم عن سوريا والتوجّه الى تطبيع العلاقات معها.. وبشكل لا يعني سوى نفي حصول تغيير في الموقف من بشار الأسد وبقايا سلطته.
وذلك كان مَدَداً منعشاً في عزّ حرّ تموز! وخفّف كثيراً من استطرادات غير مأنوسة شاعت بصخب في كل مكان. وركب على أمواجها أهل الإعلام الممانع وصولاً الى إشاعة الظنّ بأن انقلاب الموقف التركي هو أحد أبرز الإشارات الدالة الى اقتراب نهاية حرب الحياة أو الموت ضد الشعب السوري، لمصلحتهم ومصلحة الأسد.
رئيس الحكومة التركية «أوضح» بنفسه، أن كلامه عن سوريا لم يخرج عن اشتراط ربط تحسن العلاقات برحيل الأسد. بل عاد أدراجه الى اللغة الأولى الحاسمة التي دأبت القيادة التركية على تكرارها على مدى السنوات الخمس الماضيات.. لكن بقدر ما كان صعباً (وسيبقى) استيعاب أي انقلاب في موقف أنقرة من النكبة السورية، فإن الصعب أيضاً هو الافتراض بأن شخصية سياسية مرموقة من وزن يلدريم، يمكن أن تطلق كلاماً مبهماً وعلى هذا القدر من الخطورة (وأكثر من مرّة!) وأن يكون الأمر مجرد «سوء في التعبير»؟!
وما عزّز نوازع التوجّس، هو أن ذلك الكلام ترافق مع التطور الميداني الخطير المتصل بإكمال حلقات الحصار على المناطق التابعة لقوى المعارضة في حلب.. ثم تسجيل تقدّم غير مسبوق باتجاه داريا المحاصرة في نواحي دمشق، ثم عودة الطيران الحربي الروسي الى زَخَمه الأول الذي أطلقه في «عاصفة السوخوي» في أيلول الماضي بما في ذلك العودة الى سيرة استهداف المدنيين على المكشوف ومن دون وازع أو رادع!
قد لا يكون منطقياً، ربط عودة النمط الشيشاني في الأداء الحربي الروسي، بغيره من الاعتبارات المتعلقة بتحسن العلاقات الروسية/التركية، لكن ذلك لا يسري على مسألة حصار حلب! ولا يُلام من يرتكب هذا الافتراض! كما لا يمكن العبور فوق واقعة تقول إن بعض الفصائل المعارضة تفرّجت على تقدم قوات المحور الأسدي الإيراني على جبهة داريا، من دون أن تشارك في التصدي لها!
هناك إنَّ كبيرة! وأسئلة لا تزال معلّقة في الهواء. ولم تقدّم «توضيحات» بن علي يلدريم إجابات شافية وكافية عليها.. وليس افتراء على المنطق أبداً، افتراض ضرورة ترجمة نفي تغيير الموقف التركي من بقايا سلطته، بتطور ميداني معاكس يبدأ بكسر حلقة الحصار على حلب وليس أقل من ذلك!
قد «ينتبه» البعض، الى أن سقوط طريق الكاستيلو الحلبي في أيدي المحور الأسدي الإيراني تزامن مع عودة تقدم فصائل المعارضة في بعض نواحي ريف اللاذقية والمناطق القريبة من الحدود التركية، ومع تراجع زخم ودور البيشمركة الكردية في منبج وغيرها! لكن ذلك في حقيقته لا يُصرف فعلياً وعملياً وواقعياً في بنك «الحل السياسي» الذي لا يعني شيئاً سوى الانتهاء من حكم الأسد.
ما أكدته وقائع السنوات الخمس الماضيات هو أن المحور الأسدي الإيراني غير مستعد لا من قريب ولا من بعيد لأي تسوية أياً يكن حالها وشكلها ومضمونها، وكل خطوة ميدانية لمصلحته، تعزّز هذا الخيار ولا تخفف منه على الاطلاق.. والغريب فعلاً، هو أن أنقرة تعرف ذلك تماماً وربما أكثر من غيرها، ومع هذا، تعطي انطباعاً بأنها تنخرط في مناورة فاشلة أو ان خياراتها ضاقت مع أن الواقع ليس كذلك!
جيد مبدئياً ومعنوياً وسياسياً وإعلامياً، أن تعيد تركيا تصويب النقاش في شأن موقفها من النكبة السورية، لكن المخاطر الاستراتيجية الهائلة المترتبة على أي خلل كبير في المعادلة السورية تحتاج الى أداء مختلف ليس من ضمنه بالتأكيد، كلام شبيه بالذي قاله بن علي يلدريم.. قبل أن يعيد تصويبه!