IMLebanon

«نفير الأربعاء»: تصدُّع العونية السياسية!

غطاء إيراني لحكومة سلام يُعزّز القناعة بأن عون يخطئ في قراءة موقف حليفه حزب الله

«نفير الأربعاء»: تصدُّع العونية السياسية!

الحقد على «تيار المستقبل» لاستدراجه لمنازلة طائفية تشدّ عصب جمهور الرابية

التقديرات الأمنية تشير إلى أن الأعداد التي شاركت في النزول إلى الأرض بعدما دق زعيم التيار العوني «النفير» لأنصاره لم يتعد الـ600 رغم محاولات وسائل الإعلام المرئية المؤيدة والمتعاطفة  معه، التي كانت تنقل التحرك مباشرة، إظهار أن الجماهير الغفيرة العونية  غصت بها ساحة الشهداء. وحتى لو تمت مضاعفة العدد، فإن المشاركة تبقى خجولة في ظل عملية التحشيد التي قام بها عون شخصياً. فبعد هزالة التحرك الأول، جاءت تظاهرة الأربعاء لتشكل صفعة سياسية له ولتياره أمام الحلفاء والخصوم معاً، ولتؤشر إلى أن «جنرال الرابية» قد يكون فقد القدرة على تحريك شارعه، وأن المزاج الشعبي المؤيد للتيار البرتقالي قد يكون تغيّر. فهل هذا الإنطباع في محله؟

 الإنطباع في محلّه إلى حد بعيد، وفق محلّلين على مسافة من الفريقين السياسيين المتقابلين في البلاد، لكنه ربما لا يكون ينحصر في الواقع العوني وحده، بل يصيب غيره من الساحات السياسية على ضفتي 8 و14 آذار، نظراً إلى حال الإحباط العام الذي يصيب اللبنانيين نتيجة  الشعور بقصور الطبقة السياسية الحاكمة والإنهيار في الأوضاع الإقتصادية والمعيشية وتدني مستوى الخدمات الماضية في التفاقم والقلق من الفلتان الأمني المتمادي.

غير أن عوامل إضافية ساهمت في إنكشاف عون سياسياً وشعبياً. فالحيثية العونية تكوّنت في أساسها كحالة شرعية نقيضة لحال الميليشات وقوى الأمر الواقع في زمن الحرب، وتعزّزت بما شكّله زعيمها من رمز للشرعية بوصفه قائداً للجيش ورئيساً للحكومة الإنتقالية يوم شَغَرَ موقع رئاسة الجمهورية مع إنتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل. وبقي طوال فترة وجوده في المنفى «أيقونة» لدى أنصاره من الجيل الذي رافقه إلى جيل الشباب الذي عرفه عن بعد، وتعاطف معه وانسحر بـ«نضاله» ضد سيطرة النظام السوري على لبنان ولإستعادة السيادة والحرية والإستقلال. غير أن تلك الصورة خسرت مع مر الأيام الكثير من وهجها منذ عودة الجنرال وانخراطه في اللعبة السياسية وفي السلطة وتحكّم البعد العائلي في مفاصل التيار وتحوّله  نسخة طبق الأصل لمعضلة التوريث السياسي التي تصيب الأحزاب اللبنانية، والتي رأى بعض من المسيحيين، في غابر الأيام، بجنرالهم نقيضها. لكن الصورة لم تتصدّع إلى الحد الذي أظهره امتحان «دق النفير».

في القراءات أن عون خاض، أولا، معركة بعنوان خاطىء، حين صوب سهامه نحو قائد الجيش والمؤسسة العسكرية التي صنعت مجد الجنرال نفسه، فالمؤسسة العسكرية في الوجدان المسيحي جزء من التكوين المؤسساتي المحسوب على المسيحيين منذ نشوء لبنان، وهي الذراع الشرعية الحامية لهم، في وقت كانت المكونات الاخرى  لها الكثير من المآخذ آلت في زمن الحرب إلى حصول انشقاقات في صفوفه على خلفيات طائفية. فالهجمة على  قيادة الجيش بالشكل الذي ظهّره الجنرال لا يمكن أن يجد صدى لدى جمهوره الذي يعتبر هذه المؤسسة خطاً أحمر. وهو خاض، ثانياً، معركة لأهداف شخصية وعائلية شكّلت هي الأخرى مقتلاً له بتعزيزها السّمة العائلية الضيقة التي تتحكّم بقراراته السياسية، في حين أن إضفاء صبغة «حقوق المسيحيين» على تحركٍ عنوانه إيصال العميد شامل روكز إلى قيادة الجيش، يشوبه كثير من الجدل والإلتباس، لا سيما مع عزوف القوى المسيحية المتعددة، المعنية هي ايضاً بالدفاع عن حقوق المسيحيين، عن الأحجام على مساندة الجنرال في معركة لا تراها أنها تمسّ بالحقوق المسيحية بل بمصالحه الشخصية والعائلية، وإن كان النقاش الدائر في غير مكان لا يتناول كفاءة روكز وسيرته العسكرية، بل حيثيات المعركة التي كاد عون أن يجرّ جمهوره فيها إلى مواجهة مع الجيش.

تلك العوامل لا بد من أن تؤول بعون إلى مراجعة حساباته الداخلية، بعد الضربة الشعبية التي تلقاها على مستوى تياره وحضوره في شارعه. والأهم مراجعة حساباته السياسية، ذلك أنه، وفي رأي سياسيين من فريقي 8 و14 آذار، لا يزال يخطىء في قراءة موقف حليفه «حزب الله» من الحكومة، والتي عزّز وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في زيارته إلى لبنان، غطاء طهران لها في المرحلة الراهنة، حيث أن أوان الإفراج عن الإستحقاق الرئاسي لم يحن بعد بانتظار ما سيفضي إليه مسار التسويات الكبرى في المنطقة، ولا سيما التسويات في ما يتعلق بالأزمة السورية.

 على أن السقوط السياسي لعون تجلى، في جانب كبير، بالهجمة الطائفية التي اتسمت بكثير من الحقد ضد «تيار المستقبل» وجاءت تعبيراتها  في شعارات رفعها أنصاره في التظاهرة ومواقف أطلقها ونوابه وقيادات تياره. هجمة أدرجها سياسيون في قوى 14 آذار في سياق استدراج «تيار المستقبل» لمنازلة طائفية من شأنها ان تشد عصب «جمهور الرابية»، لكن القدر الكبير من الوعي وضبط النفس الذي أظهره «التيار الأرزق»، قيادة وجمهوراً، والسنة عموماً في وجه «الغوغائية العونية» ومحاولات التأجيج الطائفي فوّت الفرصة على عون وتياره من أخذ البلد إلى منزلق خطر في الشارع، وإنْ كان من غير الواضح المدى الذي ستذهب إليه المواجهة السياسية داخل مجلس الوزراء. فاستمرار التعطيل لا يبدو خياراً يمكن أن يركن إليه رئيس الحكومة، فيما البلاد على شفير انفجار اقتصادي – اجتماعي ستتفاقم حدته مع التلويح بأزمة رواتب في القطاع العام، ووسط إنسداد أفق المعالجات الحياتية الضاغطة.

وعلى الرغم من خشية تُبديها قوى 8 آذار في مجالسها من إقدام عون على خطوات غير مدروسة تحرجها وتضع «حزب الله» في موقف صعب، فإنها تعوّل على إدراك زعيم «التيار الوطني» من ان الإستقالة من الحكومة راهناُ لن تؤول إلى تفجيرها، بل إلى خسارته حقيبتي التربية والخارجية التي ستذهب بالوكالة إلى وزيرين آخرين حسب مرسوم التشكيل الوزاري، في وقت أن تعليق المشاركة بانتظار إيجاد المخارج والحلول، لا يعطّل جلسات الحكومة، ويُبقي  «التيار» محتفظاً بالحقيبتين ولاسيما حقيبة الخارجية، التي اعتبر يوم تشكيل الحكومة أن وجود جبران باسيل على رأسها يجعله الماروني الأول بامتياز، في غياب رئيس الجمهورية، بحيث يخاطب من خلالها العالم أجمع!.