IMLebanon

وضوح.. يدوخ!

يدّل الوضوح الأميركي (الواصل أخيراً) إزاء مصير رئيس سوريا السابق بشار الأسد، الى استنتاجين كانت مقدماتهما سابقة على إشهارهما. الأول هو «تأكيد الالتباس» الكبير الخاص بعلاقة دونالد ترامب وحملته الانتخابية بالروس! والثاني هو أنّ الأسد الإبن قدّم (عبر حُماته في موسكو) ما يطمئن الإدارة الأميركية الى استعداده المكين للتفلّت من النفوذ الإيراني في حدود «الإمكانيات» التي لا تزال في حوزته!

لا تشي خطوات إدارة ترامب العملية إزاء الوضع السوري بتغيير كبير على تلك التي اعتمدها باراك أوباما، سوى في إشهارها «قرار» تشذيب أو تحجيم أو تقليص النفوذ الإيراني في مقابل ترسيخ نظيره الروسي. والاستمرار في الوقت نفسه، في محاولة قطع تأثيراته المبالغ بها من قبل موسكو، على باقي الملفات المتصلة بالعقوبات وأوكرانيا والقرم و«الأطلسي» وغيرها.

قبل الموقف المُعلن القائل بأنّ مصير الأسد «يحدّده الشعب السوري»، والذي يتماثل للمفارقة، مع موقف الأسد نفسه! كانت الخطوات القليلة التي خطتها واشنطن في سوريا، ميدانياً وسياسياً تدلّ على ذلك السياق الاستمراري غير القاطع مع مرحلة أوباما. من وعود انسحاب وحدات «حماية الشعب الكردي» من منبج التي لم ترَ النور! الى تأكيد دور تلك الوحدات في معركة الرقّة المقبلة ونبذ معظم الخطط العسكرية التي قدّمتها أنقرة لتغليب حضورها مع قوى المعارضة السورية في تلك المعركة، انطلاقاً من نجاح تجربة «درع الفرات».

والواضح أن جسم «محاربة الإرهاب» فضفاض ويستوعب أي غرابة. سوى أنّ هذا المعطى الذي تبيّن حتى الأمس القريب، أن منافعه أكثر من أضراره، وخصوصاً في لحظة التواطؤ الأوبامي – الإيراني – الروسي، يشهد في هذه الأيام طوراً مستجداً وخطيراً، قد يتمم «تفسير» المعاني العويصة للسياسة الأميركية: عنوان إدارة ترامب الكبير في الخارج، هو مواجهة إيران ونفوذها وامتداداتها وأذرعها. وذلك يمتد في ظاهر الأمر من اليمن الى سوريا مروراً بالخليج العربي، وخصوصاً البحرين.

لكن التسليم للروس بنفوذهم في سوريا يحتاج الى ثمن موازٍ هو تسليم الروس بالمنطق الأميركي! والمقايضة بهذا المعنى حتمية ولا مهرب منها. عدا عن كونها مزدوجة وشديدة التعقيد وكل طرف يتكفّل بـ«حلفائه»: موسكو بإيران وواشنطن بتركيا! ونقطة التقاطع في هذه المتاهة، تبدو في ظاهرها «محاربة الإرهاب» لكنها تذهب في عمقها الى إسرائيل وحساباتها التكتيكية والاستراتيجية! وموسكو بوتين في قمّة تجلياتها الإسرائيلية! إلا إذا أرادت أبواق الممانعة في نواحينا، أن تبقى على «نعاميتها»: تدفن رأسها في الرمل، حتى لو اختنقت!

غير أن المرير والحنظلي والحارق والأسيدي عند إيران، هو أن بشار الأسد هذا، كان بدأ منذ مدة، في تحضير المناخات الملائمة لتفلّته من حُماته المزعجين والمتعبين والمتطلّبين.. وكثيرون جداً يعرفون ويروون حكايات وحكايات، عن نغمة التبرّم الشديد التي تسود في «بيئة» الأسد وصولاً، في الآونة الأخيرة، الى دائرته الصغرى في «مركز القرار» الدمشقي المُفترض وعند أرفع مستوياته ورُتَبِهِ العسكرية والأمنية!

وتعرف طهران جيداً، ذلك وأكثر منه بكثير. كانت تعرف وصارت تعرف أكثر! ومشكلتها الراهنة، أنها لم تعد قادرة الآن مثلما كانت في السابق، على تحمل ذلك المناخ بعد أن صار وجودها في ذاته، ونفوذها على مجمل مساحة النكبة السورية، موضع التركيز العدائي الأميركي، الشديد التصميم على ما يبدو، والبراغماتي القابل للمساومة (مع الروس)، على عكس «المألوف» الذي عبّر عنه بحدّة جورج بوش الإبن، وكلّفه وكلّف شعوب المنطقة الكثير!

يمكن أن تستقر الأنشودة الأسدية الراهنة عند دوخة الانتعاش بالموقف الأميركي المُستجد، لكن ليس طويلاً: لن تكون طهران طرية الظهر الى حدّ تحمل غدر الأسد! ولن تكون أنقرة في المقابل قادرة على، أو مستعدة لتحمّل خلل استراتيجي عند حدودها المباشرة من خلال المكوّن الكردي تحديداً حتى ولو توافق الأميركيون والروس على ذلك، مثلما هو حاصل فعلياً!

ولن يطول الوقت، قبل أن تعود النار الى عقر الدار!