لن يكون مفاجئاً تكرّر «الاشتباك» التركي الروسي بسبب سوريا. بل واقع الحال يشي بأن ذلك الاحتمال صار أقرب الى الواقع والتحقق للمرة الأولى منذ آخر مواجهة مباشرة جرت بين الطرفين في المرحلة الأخيرة من الحرب العالمية الأولى.
لكن صعب (جداً) في المقابل، توقّع حصول حرب كبيرة! إلاّ إذا جنّ فلاديمير بوتين وقرّر أن بشار الأسد يستأهل كل هذا الضنى والخراب! أو انه صار علامة دالة على «الكرامة» الوطنية والقومية الروسية، بقدر ما هو مؤشر من مؤشرات عودة هذه الدولة المهمة الى وضعها المحوري الاستقطابي (الامبراطوري) السابق!
ودواعي المنطق تقول غير ذلك تماماً، خصوصاً ان القيادة الروسية أظهرت دلالات كثيرة على براغماتية يُعتدّ بها. وهذه تجعلها «تتمرد» على «المجتمع الدولي» في أوكرانيا والقرم من جهة، لكنها تلتزم من جهة ثانية، «حربه» على الإرهاب ولو شكلاً! وتتحصّن الى جواره في المنحى الاستراتيجي الخاص بإقامة «علاقات مميزة مع إسرائيل»!
وتلك البراغماتية في كل حال، هي التي وضعتها في موقعها السوري الراهن. بمعنى (تكراراً) انها ما كانت لتدخل على خط هذه النكبة، من دون إجازة واضحة من الأميركيين أولاً وموافقة أكثر وضوحاً من الإسرائيليين ثانياً.. بل ربما يكون تدخلها من أساسه، وفي مراحله الأولى تعبيراً عن نقطة تلاق لمصالح اقليمية ودولية رست عند معادلة ضرب «الإرهاب» والنفوذ الإيراني من جهة، والتكفل بسيناريو إخراج الأسد وكل سلطته من المشهد السوري من جهة ثانية.
الدربكة الراهنة تعني في مكان ما، أن موسكو «استطردت» كثيراً من خارج النصّ! وعملياتها الشيشانية الطابع في الشمال السوري دقّت جرس الإنذار في أكثر من مكان، وخصوصاً في المحيط التركي والعربي الأشمل والأوسع. ما دفع ويدفع (وسيدفع) بالمعنيين جميعاً الى مراجعة حساباتهم بسرعة وإعادة رسم خطوط النزال بما يحفظ المصالح الاستراتيجية لكل طرف. وذلك يعني أول ما يعنيه، إحباط ذلك الشطط الروسي وكشف مناوراته التسللية باتجاه الرهان على حسم عسكري، والتفلّت من أجندة «الحل السياسي« وفحواه الأخير القائل بتأكيد تلاشي السلطة الأسدية!
تركيا أول المعنيين وأكثرهم تماساً مع المناورات الروسية.. ومن بديهيات الأمور أن تكون الأكثر استنفاراً وجاهزية لمواجهتها والتصدي لها. وذلك في كل حال، لم يعد خياراً من جملة خيارات معروضة أمامها، إنما الخيار الوحيد، خصوصاً ان استهدافها يتم مباشرة من خلال اللعب بالمكوّن الكردي (العابر للحدود) ثم من خلال محاولة كسر الستاتيكو القائم في حلب وريفها، ثم من انتباهها مثل غيرها، الى أن موسكو تحاول أن تشط بعيداً في حساباتها وخياراتها، ما يعني في المحصلة أن النكبة السورية تزداد قتامة وسوداوية بدلاً من العكس.
وفي حين يبدو واضحاً، أن تركيا حسمت أمرها، وهي العارفة أنها لن تكون وحدها في أي اشتباك أو مواجهة مع الروس، فإن السؤال يبقى عن الموقف المقابل.. وذلك سيُعرف في غضون أيام وليس أسابيع؟!