بعدما أفرغ كل من “حزب الله” و”تيار المستقبل” ما في جعبتيهما من احتقان بلغ ذروته على خلفية احتقان مماثل تدور في فلكه كل من طهران والرياض، يعود الفريقان الى رشدهما الذي تقتضيه مصلحتهما السياسية ليلتقيا مساء اليوم الى طاولة حوار ثنائي في عين التينة، يسبقه حوار صباحي موسع في المكان عينه وبالرعاية عينها. فيما تستأنف الحكومة السلامية اجتماعاتها في مؤشر واضح لنية جدية للحفاظ على الستاتيكو السياسي الداخلي بكل مكوناته وظروفه.
ليس انعقاد جلستي الحوار الموسع أو الثنائي اليوم، او مجلس الوزراء الخميس، الا ترجمة لإجماع لدى مختلف القوى السياسية على ضفتي الصراع بضرورة التزام تحييد الوضع اللبناني عن تفاعلات المنطقة، لا بسبب عدم تأثر البلاد بهذه التفاعلات، وهي في عمقها، بل لهشاشة الوضع الداخلي الذي تجعله قابلاً للاشتعال لأقل الأسباب او الأحداث المُحتملة، وهو ما يستدعي تنفيساً داخليا للاحتقان المذهبي لمنع تفجره في الشارع، بحيث تشكل طاولة الحوار الثنائي مكانا مناسبا لاحتواء التشنج ومنع تمدده ولإدارة الخلاف وتنظيمه، على ما يقول الوزير محمد فنيش.
لن يحمل الحوار الثنائي كما الموسع أي جديد على صعيد الاستحقاق الرئاسي. حتى ولو لامسه عن قرب، فسيكون ذلك لأن الموضوع لا يزال بندا حاضرا على جدول الاعمال.
حتى تفجر النزاع بين المملكة العربية السعودية وإيران وتأثيره الكبير على المشهد الداخلي لن يأخذ البلاد الى مواجهة، فهو، وإن يكن أطاح أي فرصة لتحقيق تقدم في الطروحات الرئاسية، لن يسمح بتفجير الوضع في لبنان.
ليس القرار سعوديا وإيرانيا فحسب، وإنما هو لا يزال يتمتع بمظلة حماية دولية تتجاوز التفاهمات الإقليمية.
وعليه، فإن انعقاد الحوار الثنائي الذي أكد طرفاه الحرص استمراره، رغم المناخ الاقليمي المتشنج، يثبت الغاية منه: منع الفتنة المذهبية وتخفيف الاحتقان حيالها، إعادة تثبيت الحوار كمساحة تواصل خارج إطار الشارع، واستمرار ربط النزاع ثنائياً ومنه الى الحكومة والحوار الموسع. والاهم إعادة “شدشدة” خيوط شبكة الأمان التي يوفرها الحواران الى جانب الحكومة بعد الخلل الذي أصابها بفعل التعطيل والخطابات السياسية النارية.
لن تبتعد طاولة عين التينة الموسعة بدورها عن الملف الرئاسي، لكنها ستقترب أكثر من الموضوع الحكومي وقانون الانتخاب ما دام لا جديد يخرق المشهد الرئاسي المأزوم.
وإذا كان هذا الحوار في آخر جلساته قبل عطلة الأعياد قد وفر الغطاء السياسي لتفعيل عمل الحكومة بعد أشهر عدة من التعطيل، فهو مستمر في تأدية هذه المهمة في مرحلة المراوحة السياسية القائمة. وما ترحيل جلسة انتخاب رئيس جديد الى شباط المقبل إلا الدليل الابرز على تجميد البحث في الاستحقاق، أقله حتى اتضاح المسار الاقليمي، سورياً وسعودياً.
وهكذا، لا يسقط الطرح المتعلق بترشيح فرنجيه لكنه لا يتقدم، تاركاً المجال مفتوحاً أمام مزيد من المناورات الرئاسية والطروحات، ولكن من دون إحداث خروق.
فلا الرئيس سعد الحريري سيبادر قريبا الى تبني ترشيح فرنجيه علناً، ولا رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع سيعلن ترشيح العماد عون، ولا “حزب الله” في وارد القبول راهناً بعودة الحريري الى السلطة.
ومعلوم أن في الوسط السياسي من يقول إن قابلية جعجع لترشيح عون باتت أكبر من قابلية الحريري لترشيح فرنجيه، وربما تجاوزتها أيضا لترسي معادلة جديدة تتطلب إعادة حسابات جديدة من شأنها أن تدخل لاعبين جدداً على طريق القصر الرئاسي في بعبدا.
أما على المستوى الحكومي، فيأمل رئيس الحكومة أن تنجح جلسة الخميس في إقرار البنود المطروحة بما يساعد على تسيير شؤون المواطنين. ويؤكد لـ”النهار” حرصه على تحييد المجلس عن القضايا الخلافية، مشيرا الى أن قضايا الناس يجب ان تعالج وان الحلول للأزمات السياسية لم تكن يوماً عبر الحكومة.
واستبعد أن يمتنع فريق عن حضور الجلسة، مشيرا الى أن مسؤولية الوزراء كما رئيس الحكومة القيام بواجباتهم حيال الدولة ومؤسساتها والمواطنين. وعليهم ان يدركوا ان شل المجلس يرتب ضررا كبيرا على البلاد في ظل المخاطر المحيطة.