كل الكلام على تشكيل الحكومة، بينما فعل التشكيل في خانة المضارع، بانتظار بلّورة التفاهمات وتكريس القناعات، وتقريب الممكن وابعاد المستحيل.
وكل الحسابات مضبوطة على توقيت عودة الرئيس المكلّف سعد الحريري من زيارته العائلية والعمرية الى المملكة العربية السعودية، وكأن المشكلة هناك، بينما هي في واقع الأمر بيننا، في الحصص والحقائب والأسماء في معادلة ما لنا لنا، وما لكم لنا ولكم، بل في تجاهلنا لما يدور في محيطنا القريب والبعيد، حيث فرز الجبهات، بين ساخن وبارد وبين بين، بين الاستنساخ الكامل للحالة الأمنية في جنوب على الجنوب السوري امتدادا الى الجولان. وبين نقل الموقد الى الجبهة الغزاوية.
ويلاحظ الملاحظون كيف عادت مدافع الصمت تهدر في الاعلام ردا على الصواريخ الاسرائيلية المكتومة المصدر، وكيف ان الرد المناسب، بات يأتي من غير المكان المناسب، تحت العناوين البرّاقة والشعارات الخلاّقة…
وفيما تناقش الحقائب الوزارية، على قدم وساق، تتكشف المواقف الغامضة للمجتمع الدولي من مسألة النازحين السوريين، كما درجت تسميتهم، البطريرك بشارة الراعي الذي يرفع راية معارضة القرار الدولي بالعودة الطوعية للنازحين فوجئ بسؤاله من جانب الرئيس الفرنسي ماكرون عما اذا كان النازحون يريدون العودة فعلا؟ ما جعل البطريرك يدعو للحوار مع الحكومة السورية من أجل اعادة النازحين رغم قلقه ازاء القانون السوري رقم عشرة، الذي يراد منه ابقاء أكبر كمّ من النازحين المعارضين للنظام. في أخطر عملية تغيير ديمغرافي تشهدها المنطقة.
هذا القانون أثار قلق المستشارة الألمانية ماركيل، تحسبا لسريان مفاعيله على آلاف اللاجئين السوريين في ألمانيا، وقد روي انها عاتبت الرئيس الروسي بوتين بهذا الشأن، فأجابها بما معناه، الذي تدفعينه لهم في لبنان وغير لبنان، ادفعيه لهم في سوريا!…
اللواء عباس ابراهيم المكلف من الرئيس ميشال عون بمعالجة هذه الأحجية، ليس بالقلق الذي تشيّعه بعض الأوساط، تعظيما للمخاطر، وقد تحدث أمس عن عودة قريبة للآلاف منهم، وحتى عن تواصل مع السلطات السورية بهذا الخصوص. ما يعني ان مياه النزوح تتحرّك، أقلّه على هذا المستوى من الجهد الأمني المسيّس، وبالتالي هي ليست راكدة، ولا حتى مهدّدة بانسداد المنافذ والركود.
لكن مثل الجهد الذي يبذله هذا القائد المصداق، يتطلب حراكا داعما وموازيا، من جانب الضفة السياسية وذلك بتسريع عملية تشكيل الحكومة، من خلال التخفيف من أحمالها الزائدة، أو التي يمكن الاستغناء عنها، استعدادا لمواجهة المستجدات الاقليمية الماثلة في الأفق، فالبلد بحاجة الى قرارات، لا تصريف أعمال، أو ادارة أزمات، قرارات تستعيد الثقة، وتسترجع الهيبة وتنقذ الاقتصاد الذي بات جزء من رأس تحت الماء.
البطريرك الراعي رأى ان مشكلة لبنان مع النازحين هي عند المجتمع الدولي الذي نستجير به، ثم نشكو من تدخّله، بعد ان نرسل له بطاقة الدعوة.
هنا يلاحظ أحد الحكماء، بأن للطاولة أرجلا لكنها لا تمشي، وللقلم ريشة، لكنه لا يطير، وللساعة عقارب لكنها لا تلسع، وللسياسيين عقول، لكنهم لا يفكّرون…
ولذلك غالبا ما نصل الى مرفأ السلامة متأخّرين.