مَن يراقب الاقتصاد العالمي قبل وبعد الأزمة العالمية في العام 2008 يرَ أنّ مؤسسات التصنيف العالمية فشلت فشلاً ذريعاً في التنبّؤ بوضعيّة الدول وهشاشة اقتصادها كذلك وضعيّة المصارف العالمية والمؤسسات وغيرها، وقد يكون ليمان براذرز الفشل الأكبر في هذا المجال لا سيما وأنّ انهياره جاء بعد أسبوع فقط على إعطائه درجة عالية في الائتمان.
لا يستند تقييم المخاطر الى تحليل المخاطر المالية فحسب بل ايضاً الى طائفة واسعة من العوامل الاخرى بما في ذلك المخاطر التجارية ومهارات الادارة التي قد يكون لها تاثير على قدرة الكفيل في سداد الديون – هذا وعملية التصنيف التي تستخدمها وكالات تقدير درجة الجدارة الائتمانية قد تبدو احياناً غير مفهومة وتتأثر بمجموعة من العوامل النوعية والكمية والخارجية منها والتي هي قادرة على التأثير على نجاح الشركة او المؤسسة وحتى البلد. لكن وبالمطلق من الصعب التنبّؤ على وجه الدقة في الحوادث الاقتصادية وما يترتب عليها من آثار.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال ما معنى «الوضع الرديء» او تراجع التصنيف بالنسبة للدول لا سيما الناشئة والتي هي في طور النمو وما هو تأثير هذا التصنيف عليها وعلى مستويات المعيشة فيها وعلي مديونيّتها وغيرها؟ وهل إنّ لبنان يتاثر بهذا التصنيف؟ كذلك هل إنّ انخفاض التصنيف الائتماني له سوف يؤثر على الفوائد التي ستدفعها الدولة للمقرضين لا سيما بعد تراجع التصنيف أخيراً؟.
الأمر الاكيد هو أنّ المصارف تاثرت بذلك وبكون مديونيتنا اصبحت مرتفعة جداً مقارنة بالناتج المحلي الاجمالي، الامر الذي دفع بالمصارف لرفع الفوائد على السندات.
ولبنان وضعيّته كوضعية معظم البلدان حيث إنّ نسبة كبيرة من السندات بالعملة المحلية ونسبة صغيرة منها بالعملة الأجنبية وهذا الامر يدفع بوكالات التصنيف الى دراسة معدل هذين النوعين من السندات بشكل منفصل والاكيد أنّ التصنيف بالعملة المحلية هو اكثر صحية.
كذلك تأخذ في الاعتبار ضعف النموّ الاقتصادي و زيادة البطالة وانعدام الاستقرار السياسي.
وللعلم فإنّ تخفيض درجات الائتمان لا يحدث بين ليلة وضحاها ويؤثر على كيفية نظر المستثمرين الاجانب ووضعيتنا وقدرتنا على التفاوض على المسرح العالمي. وبعض الآثار المحتملة استناداً الى الخبرة المكتسبة في البلدان الأخرى:
• توقع تقلبات في العملة والاسواق لبعض الوقت
• ارتفاع اسعار الفوائد بسبب انخفاض الجدارة الائتمانية الامر الذي يترجم في ارتفاع التكاليف
• يتوقع أن يشهد الاقتصاد تراجعاً لا سيما وانّ الاستثمار سيتراجع مع تركيز المستثمرين على درجات الائتمان هذه
• ركود اقتصادي ويعني ذلك ضعف النموّ وهذا يؤدي بدوره الى تفاقم الوضع المالي وفي نهاية المطاف الى خفض الإنفاق لا سيما في مشاريع البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية وإمكانية اجراء تخفيضات في الإعانات الاجتماعية.
• الكساد وإذا حدث سيشكّل ضغطاً اضافياً على الوظائف مع ارتفاع البطالة وركود الدخل
هذا وقد يكون ردّ المستثمرين والمصارف تجاه هذه الاحداث اكثر اهمية من الاحداث ذاتها وقد تكون اكثر اهمية بالنسبة للدول النامية منها للدول الصناعية وعلى سبيل المثال فإنّ انكلترا واميركا وفرنسا -وخطر انخفاض التصنيف لا يهم بقدر ما يهم للدول الاوروبية الاخرى- وتصنيفات موديز للمملكة المتحدة لم تؤثر على العملة ولا على FTSE 100 وتاثيرها يبدو اكثر على الدول النامية- وفي السنوات الاخيرة تعرّضت هذه المؤسسات لانتقادات عدة من الدول الصناعية بسبب تخفيض درجاتها الائتمانية ولم يعد تاثيرها على ما يبدو الّا على الدول الناشئة وتلعب فيها دوراً حاسماً؛ غير أنّ ذلك غالباً ما يثير الجدل على كيفية التصنيف واهميته وتضارب المصالح بالنسبة لهذه الشركات.
لا سيما وأنّ المستثمرين في العالم المتقدم والعالم النامي على حدٍّ سواء يعتمدون كثيراً على وكالات التصنيف في إتخاذ قراراتهم الاستثمارية.
وينبغي الحديث عن مصداقية هذه المؤسسات لا سيما أنها تعرضت لانتقادات في الفتره التي تلت الازمة المالية العالمية وباتت مصداقيتها موضوع جدل لا سيما مع تضارب المصالح والمتغيّرات الحاسمة التي تدخل في عمليه التقييم مثل:
النموّ الاقتصادي، حالة الاموال العامة، الحالة المالية الخارجية بما في ذلك اسعار الصرف، المخاطر السياسية وأداء مؤسسات الدولة.
لذلك تبقى الدول النامية هشّةً أمام هذه المتغيّرات، ومعطيات صندوق النقد الدولي تفيد انه منذ العام 1975 انّ الدول التي اعتُبرت غير ملائمه للاستثمار تقاعست عن دفع مستحقاتها سنة واحدة بعد تقييمها.
كل هذه الامور تضع لبنان امام وضعية دقيقة وقد نكون مع المتغيرات الحاصلة منذ الازمة السورية امام امور عدة. يجب مواجهتها ولا يمكن حلّها الّا ضمن خطة شاملة قد تأخذ بعض الوقت قبل اعادة تصنيف جديدة.
وقد يكون الامر الاهم في الموضوع هو أداء مؤسسات الدولة والتي ولغاية الآن تبقى موضوع إنتقاد وتجعل مؤتمر سيدر محوريّاً في معالجة هذه الامور على وجه السرعة وجعل الشفافية عنواناً في التعاطي مع كل عمل حكومي.
هذا ورغم كل الاعتبارات نرى أننا ندفع ثمن هذا التصنيف زيادة في فوائد سندات الخزينة وتراجعاً في الحركة المصرفية ورغبةً من قبل المدّخرين تحويل اموالهم الى الدولار الاميركي ما يشكل عامل ضغط على العملة وعمليات البنك المركزي، كذلك على الاحتياط بالعملة الاجنبية.
وهذه كلها امور متداخله مع بعضها البعض ويلزمها الوقت والحنكة لمعالجتها وقد يكون البنك المركزي وهندسته المالية غير كافيين امام ضخامة الموضوع هذا، والتصنيفات تمثّل حافزاً للسياسات المالية والنقدية السليمة، وأداء هذه السياسات جزءٌ لا يتجزّأ من تقييم المنهجيات لاسيما وانّ المسؤولين الماليين قد لا يكونون على علم وثيق بما يكفي بالمخاطر المرتبطة بالائتمان.
كلها امور تضعنا في مرحلة دقيقة وقد يكون تشكيل الحكومة عاملاً مهماً في تخفيف الضغط على الوضع الاقتصادي والمالي وهي تعطي فسحة امل ضمن خطة اقتصادية شاملة تتبنّاها الدولة وتسير فيها قدماً، وماكينزي جزءٌ لا يتجزّأ من خطة شمولية اكبر واوسع تساعد على النموّ في البلد وتنتشله من ركوده وتراجع اقتصاده وجمود حركته.