IMLebanon

تنظيف الشوارع من الشعارات  والأجواء من الرصاص

مطالبة شاملة بازالة الشعارات الحزبية والسياسية والدينية، وكذلك تلك التي تطل منها روائح الطائفية والمذهبية الكريهة، وصلت إلى حد تبنيها والدفع بها بحماس إلى أعلى المواقع والمواقف، وتنافس المواطنين على إدانتها بين مؤيدين لهذه الشعارات التي لطالما كان لها دور في الخلافات والنزاعات المذهبية والطائفية، وبين المستنكرين لأطنان الرصاص ولواحقها من النيران التي اطلقت بين المناطق والأحياء على سبيل الإبتهاج الشديد، بإطلالة السيد الإحتفالية، وهي قد انهمرت كالصواريخ فوق رؤوس الناس وفي سماء مناطق معينة وعلى رؤوس مواطنين معينين، وكان أبرز من أدانها ممن ابتهجوا بالإحتفال وبالخطاب وبالحماس العام السائد، قائد المبتهجين الذي دعا هؤلاء الذين وجهوا كل ما تيسر لهم من فوهات الرشاشات وبأقصى رمزيات ونوايا إلحاق الأذى باخوانهم في الوطن وزملائهم في المواطنية وشركائهم في العيش الموحد ومصالحهم الوطنية والإجتماعية التي يفترض أن تتكاتف وتتعاضد وتتآلف بما يحفظ للمواطنين حياتهم وحياة أبنائهم وسلامة بيوتهم ومدارسهم وجامعاتهم وأحيائهم بكل تنوعاتها وأشكالها وألوانها، وكانت إدانة السيد حسن لمثل هذه التصرفات غاية في التعبير الصارم واللائق، حيث دعا أولئك المبتهجين بتوجيه النار العشوائية الطائشة اليه شخصيا بدلا من توجيهها الى رؤوس الناس، أطفالا ونساء وشيوخاً، وكان أن امتزج هذا القول بنواياه الوطنية الحقيقية والأصلية والصادقة بذلك القرار الثنائي الذي اتخذ في ضفتي المجتمع الإسلامي قاضيا بازالة تلك الشعارات المنتشرة على ضفتي المواقع المتقابلة والمتقاتلة بالصور والأقوال المحرضة والرموز المؤلبة، دون ان نركز على أين تقع كثافتها الأضخم، في أية صفة وفي أية منطقة. وهذا القرار السليم والحكيم أطل على الأجواء بعيد إتخاذ القرار الحكيم الأول، الذي قرر فيه الفريقان المتقابلان، خوض غمار الجبهة الأخرى المقابلة، جبهة الاجتماع والحوار فألمحت الفئتان اللتان خففتا من لهجتيهما المتبادلتين وأطبقتا شفاه الناطقين باسمهم مساهمة في عمليتي الإطفاء والترطيب، ورشّا في الأجواء شيئا من الرطوبة والطراوة لم يعدل في حرارتها المنطلقة بشكل صاروخي نحو الإرتفاع، إلا أن ما استثني من الإرتفاع في حماوة الكلام، الوارد في الخطاب التأبيني الأخير الذي أطلق فيه السيد حسن حديثا لا نعتقد انه يتلاءم مع الكلام والجهود والمساعي الحثيثة التي أوصلت تيار المستقبل وحزب الله الى عين التينة حيث تولى الرئيس نبيه بري الإهتمام برعاية الجهود الآيلة إلى رعاية الجسد اللبناني ببدايات تدابير العناية الفائقة التي ربما تشفيه من تلك الأمراض المتمترسة في أنحائه دون أن يعلم إلا الله، ما اذا كانت كل هذه الجهود التي تتبدل بين السر والعلن، ستؤدي إلى تنظيف تلك المسيرة الحوارية التي بدأت في إطار المستقبل – حزب الله، وانطلقت معها في الوقت نفسه مسيرة أخرى لا تقل عنها أهمية، خاصة لارتباطها بانتخابات رئاسة الجمهورية، ولأهمية تمكين تلك الرئاسة من أن يكون لها «رأس» ما، يمسك بمقاليد الحكم، ويتمكن من تسيير شؤون البلاد والعباد بعد أن كاد الجميع أن يتعودوا على جمهورية بلا رأس، وبعد أن تعودت البلاد ومؤسساتها وقياداتهما على جمهورية « عين الله ترعاها « دونما استناد الى روابط وضوابط وجهد ذاتي، ورأت في ذلك ما يكفيها من كمية سلطوية ومدى كاف من الحكم الديمقراطي البرلماني، وذلك اذا صحت تسميته بعد الآن حكما ديمقراطيا برلمانيا بعد أن أصبحت رؤوس الحكم ومؤسساته غائبة عن الوجود غيابا تاما.

بجرأة وحكمة ووعي، اتخذ القرار الأول : إجراء الحوار على جبهتيه الإسلامية والمسيحية. واتخذ القرار الثاني: نزع الشعارات والصورة بكل اشكالها وأنواعها من الشوارع والساحات واماكن المناحرة والإستنفار.

في الحوارين المنطلقين كل من ساحته وفي مداه، الإنطلاق يتم باقصى قدر ممكن من السرية، وبأقل قدر ممكن من البنود قيد البحث، وباختصار المواضيع المطروحة الى أضيق حدود بحيث يزال منها اللون والطعم والرائحة، يطمئنك بعض الساعين في الدروب الحوارية بالمناشدة بأن لا تخافوا ولا تحزنوا، لقد بدأت الطريق الحوارية مسيرتها تطوي أيامها وساعاتها وعدّاداتها. لا ينتج عنها إلا الترطيب والتلطيف… فقط لا غير. الحوار بدأ، ولا بد لكل طريق من نهاية، هذا صحيح، ويبقى للبعض بعض الأمل في هذا الطريق ولكن لئن كان البشر بمن فيهم المواطنون، يصيبهم المرض والموت، ولكل منهم نهاية تنال من كل بشري وكل مجموعات بشرية، ولئن كانت الاوطان بارضها وموجوداتها المادية… لا تموت، فان أخشى ما نخشاه أن تحصل أعجوبة لم تحصل من قبل في أي زمان ومكان وتستمر البلاد على حالها القائم فتتآلف العباد مع البلاد في عملية زوال ثنائية فنتسبب جميعا «بوعينا الكبير» و «حسّنا الوطني الوقاد» بالغاء الوطن من هذا الوجود الذي أحبنا وأحببناه، ولكن… « ليس بالقدر الكافي» حتى الآن مع الأسف.