Site icon IMLebanon

القنبلة المناخية.. أخطر تحذير للمنطقة والعالم

درجات الحرارة غير المسبوقة في العالم العربي٬ وفي أرجاء كثيرة من العالم٬ هذا الصيف٬ ليست سوى توطئة لما هو قادم. فالقنبلة المناخية التي حذر منها العلماء طويلاً٬ بدأت تحدث ظواهر غير مسبوقة٬ والقادم سيكون أسوأ وأخطر.

أحدث التحذيرات في هذا المجال كان ما أعلنته وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) مطلع الأسبوع الحالي وأكدت فيه أن كوكب الأرض يسخن بمعدلات غير مسبوقة منذ ألف عام٬ والنتائج ستكون كارثية. فاستمرار هذه المعدلات يعني٬ وفًقا للعلماء٬ أن الحياة ستصبح غير محتملة خصوًصا في أشهر الصيف في بعض المناطق ومنها شمال أفريقيا والشرق الأوسط والخليج. كما أن عدًدا من المدن الساحلية ومنها مدن عربية مثل الإسكندرية ستكون مهددة بالغرق خلال عقود نتيجة ارتفاع منسوب المحيطات والبحار وذوبان الكتل الجليدية القطبية. وإذا صحت الدراسات والتوقعات المرتبطة بها فإن منسوب مياه البحار سيرتفع ثلاثة أقدام بنهاية القرن الحالي٬ وسبعين قدًما خلال القرون المقبلة مع كل ما يعنيه ذلك للحياة على كوكب الأرض الذي تمثل اليابسة فيه نسبة 29 في المائة فقط٬ بينما الباقي عبارة عن مياه المحيطات والبحار والأنهار.

الدراسات والأبحاث التي قامت بها «ناسا» توصلت إلى أن حرارة الأرض ارتفعت عشر مرات أسرع خلال القرن الماضي مقارنة بمعدلات وحسابات خمسة آلاف سنة مضت. ويحذر العلماء من أن هذا التسارع يعني أن الأرض ستسخن بمعدلات أسرع عشرين مرة خلال المائة سنة المقبلة.

إضافة إلى الكوارث المناخية وتأثيرها على حياة الناس في كثير من أرجاء العالم خصوًصا في الدول الأقل نمًوا٬ فإن التسخين الحراري سيؤدي٬ مع الارتفاع المتوقع في مناسيب البحار٬ إلى ما يصفه العلماء بـ«الانقراض الجماعي السادس» لكثير من الحيوانات على الأرض٬ وبالتالي اختلال التوازن البيئي.

علماء جامعة ستانفورد الأميركية المرموقة حذروا في دراسة صدرت العام الماضي من أن كثيرا من الحيوانات تنقرض اليوم بمعدل أسرع مائة مرة من المعدلات السابقة المعروفة. ويشيرون إلى أن هذا الأمر يحدث بسبب التغيرات المناخية٬ والتلوث٬ وتقلص الغابات٬ وفقدان البيئة الطبيعية لحياة كثير من الحيوانات٬ وهي أمور تسببت فيها البشرية إلى حد كبير. ونتيجة لهذه العوامل٬ يقول علماء ستانفورد٬ إنه على الرغم من جهود بعض الدول وأنصار البيئة لإنقاذ بعض الحيوانات المهددة بالانقراض٬ فقد انقرض بالفعل 77 فصيلاً من الحيوانات الثديية٬ و140 نوًعا من الطيور٬ و34 نوًعا من الحيوانات البرمائية٬ في نصف الألفية الماضية٬ وذلك في أكبر انقراض للحيوانات منذ انقراض الديناصورات قبل نحو 66 مليون سنة.

التغير المناخي ربما لا يكون أمًرا جديًدا٬ والحديث فيه وعنه ليس من الموضوعات التي تشد اهتمام كثير من الناس٬ لكن آثاره باتت اليوم ملموسة وخطيرة٬ وتحذيرات العلماء لا يمكن التقليل منها أو تجاهلها. فدراسة «ناسا»٬ إضافة إلى التحذيرات المتتالية من علماء بارزين آخرين ومن المهتمين بقضايا البيئة والمناخ٬ تدق ناقوس الخطر للحكومات والشعوب من أن بعض الآثار والأضرار تقترب من مرحلة اللاعودة٬ وأن الأمل الوحيد في تبني خطوات جماعية واتفاقات دولية جديدة للتسريع بمعدلات خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون٬ أو بانتهاج معالجات من خلال الهندسة العضوية والخطوات البيئية أو الجيولوجية.

المحزن أن العلماء لا يرون مؤشرات جدية على تلافي الخطر ويشيرون إلى أن الدول لم تلتزم ولم تحقق الهدف الذي وضعته بعد مفاوضات طويلة ومضنية وأعلنته في معاهدة المناخ الموقعة في باريس في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. فدول العالم٬ خصوًصا الصناعية منها٬ تعهدت بعد ضغوط شديدة من العلماء وحركات البيئة والدول المهددة بارتفاع معدلات الحرارة ومناسيب البحار٬ بالإبقاء على معدل الارتفاع في حرارة الأرض (التسخين الحراري) في حدود نسبة 5.1 في المائة. لكن هذا الهدف تبخر مع معدلات الارتفاع في درجات الحرارة التي سجلها العلماء في الأشهر الأولى من العام الحالي وبلغت ذروتها في شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) الماضيين. 

إلى أين نتجه من هنا؟

العلماء والمختصون يجمعون على أن الآثار المدمرة للتسخين الحراري والتغيرات المناخية٬ تتسارع. فمنذ عام 2000 والعالم يكسر أرقامه القياسية في درجات الحرارة من الكويت إلى ليبيا٬ والجفاف يضرب من جنوب أفريقيا والصومال إلى الهند وكاليفورنيا٬ في حين الفيضانات تسجل معدلات غير مسبوقة من السودان إلى الصين٬ ومن بريطانيا إلى تكساس وأريزونا. كل الاتفاقيات التي تم التوصل إليها بصعوبة شديدة لم تنجح حتى الآن في وقف الانزلاق الخطير في طريق التدمير البيئي٬ لأن كثيرا من الدول تقاوم أو تتباطا في تنفيذ الخطوات المطلوبة للحد من الاحتباس الحراري. هذا التباطؤ يعني مزيدا من الكوارث والمعاناة٬ إلى أن يأتي اليوم الذي توضع فيه قضية المناخ على رأس قائمة الاهتمامات الدولية٬ وهو يوم يضغط العلماء والمهتمون من أجل أن يأتي سريًعا وقبل فوات الأوان.