بينما يجتمع قادة العالم في باريس للتفاوض على اتفاق عالمي بشأن تغير المناخ٬ فإنهم سوف يحصلون على حلفاء أقوياء يقفون وراءهم ويحثونهم على التقدم للأمام إنهم رؤساء بلديات المدن. فهم بالفعل يساعدون القادة في تمهيد الطريق للنجاح في باريس٬ عن طريق إنشاء نماذج من التعاون الذي يوفر أساسا قويا للمفاوضات.
ومن خلال التحالفات الدولية٬ مثل مجموعة المدن الأربعين للقيادة حول تغّير المناخ واتفاق رؤساء البلديات٬ تلتزم المدن في جميع أنحاء العالم بتخفيضات كبيرة في انبعاثات الكربون٬ إلى جانب اعتماد نظام قياس مشترك٬ وعملية إعداد تقارير عامة لضمان خضوعها للمساءلة. وبعبارة أخرى: تفعل الكثير من المدن بالفعل ما تحث الأمم المتحدة الحكومات الوطنية على القيام به.
فرؤساء البلديات يمتلكون سببا وجيها للقيام بدور قيادي في هذا العمل. إذ تعد المراكز الحضرية الآن موطنا لنصف سكان العالم٬ وهي مسؤولة عّما يقدر بنحو 70 في المائة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري السنوية. ولا تمثل المدن مجرد جزء من أسباب تغير المناخ٬ لكنها أيضا تتحمل العبء الأكبر من الآثار المترتبة عليه. وُتقام 90 في المائة من المدن على طول الأنهار والسهول الساحلية٬ التي هي شديدة التعرض لارتفاع منسوب مياه البحر والطقس القاسي٬ وكلاهما ناتج ثانوي لتغير المناخ.
الحاجة أم الاختراع٬ لكن رؤساء البلديات لديهم حوافز قوية لاتخاذ إجراءات فورية للحد من الانبعاثات. وتوفر تدابير كفاءة الطاقة أموال دافعي الضرائب٬ وكذلك تنقذ الأبرياء من أمراض الجهاز التنفسي وغيرها من الأمراض. ووجدت دراسة أجرتها فرقة الهواء النظيف٬ في عام ٬2014 أنه منذ خمس سنوات كان تلوث الفحم في الولايات المتحدة مرتبطا بوفاة 13 ألف شخص في السنة. والآن٬ ويرجع الفضل٬ جزئيا٬ إلى الرئيس باراك أوباما في مساعدة نقل المصانع القديمة والمسببة للتلوث بشدة (وهي الخطوة التي طالما شجعتها مؤسسة بلومبيرغ الخيرية)٬ تقلص عدد وفيات التلوث إلى 7500 شخص في السنة.
ويمتلك رؤساء البلديات حوافز اقتصادية للعمل٬ نظرا لأن المواطنين يريدون العيش في مدن تتمتع بالهواء النقي. وأينما يرغب الناس في العيش٬ يسع رجال الأعمال للاستثمار. وكلما زاد عدد المدن التي تجذب الموهوبين وأصحاب العمل الجاد٬ نمت الاقتصادات في تلك الأماكن.
وتؤكد المدن في جميع أنحاء العالم أن مكافحة تغير المناخ وتحفيز النمو الاقتصادي يمكن تحقيقهما من خلال التعاون. ففي السنوات التي أعقبت الركود العالمي٬ على سبيل المثال٬ ساعدت مدينة نيويورك على تحقيق النمو في فرص العمل٬ إلى جانب الحد من انبعاثات الكربون لديها بنسبة 19 في المائة.
وبالإضافة إلى وجود حوافز صحية ومالية واقتصادية للعمل٬ يمتلك رؤساء البلديات أيضا القدرة على فعل ذلك. وغالبا ما تدير المدن شبكات النقل والبنية التحتية لديها٬ وهما يكادان يكونان أهم دافعين للانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري. وأظهرت الأبحاث أنه من خلال الاستثمار في المباني الذكية مناخيا والنقل وإدارة النفايات٬ يمكن للمدن تقليص انبعاثات مجموعة الأربعين بنسبة 8 مليارات طن سنويا نحو 25 في المائة من الإجمالي السنوي في العالم مع توفير ما يقدر بـ17 تريليون دولار بحلول منتصف هذا القرن.
وبينما يقود رؤساء البلديات التغير المناخي٬ فإنهم يتخذون خطوة إضافية تضاعف تأثيرهم: إنهم يتبادلون خبراتهم والدروس المستفادة التي تعلموها في ما بينهم٬
فضلا عن نشر أفضل الأفكار في جميع أنحاء العالم.
وعلى سبيل المثال٬ انتشرت أنظمة النقل الجماعي باستخدام الحافلات السريعة من بوغوتا إلى جاكرتا والكثير من الأماكن بينهما. ويدين رئيس بلدية ملبورن روبرت دويل الأسترالي بالفضل في تقدم مدينته إلى «السرقة بلا خجل» للاستراتيجيات من نيويورك وتورونتو. والآن٬ تفتخر ملبورن بأنها تمتلك أعلى معدلات كثافة لمباني النجمة الخضراء في أستراليا٬ وقد ضاعفت عدد الأشجار في وسط المدينة.
والحقيقة أن المزيد من «السرقة بلا خجل» يقدم الكثير من الخير للعالم. ولهذا السبب قرر اثنان منا جلب وزارة الخارجية الأميركية ومؤسسة بلومبيرغ الخيرية معا لإطلاق حملة «مدننا.. مناخنا» للتبادل بين مسؤولي المدن في جميع أنحاء العالم.
وفي سبيل إطلاق هذه الحملة٬ دعونا المسؤولين من 19 مدينة دولية لزيارة ثلاث مدن أميركية تساعد في وضع معايير للاستدامة: سان فرانسيسكو٬ وبوسطن٬ وواشنطن.
وخلال الأيام العشرة الماضية٬ تعلم المسؤولون كيف تنشئ كل من تلك المدن أنظمة نقل موفرة للوقود على نطاق أوسع٬ وكيفية بناء أنظمة طاقة متقدمة٬ وكيفية التأقلم مع ارتفاع منسوب مياه البحر٬ وغيرها. وفي يوم الخميس الماضي٬ اجتمعنا معهم جنبا إلى جنب مع عمد المدن الأميركية الأخرى في مقر وزارة الخارجية لمناقشة هذا العمل٬ وكيفية نشره بين القاصي والداني.
وسيكون التعاون الدولي واسع النطاق ضروريا للغاية لمكافحة تغير المناخ٬ على جميع مستويات الحكومة. وتعتبر درجة التعاون غير المسبوق بشأن المناخ بين الدول مثل الولايات المتحدة والصين أمرا مشجعا٬ لكن الشراكات٬ مثل دفع الاستدامة المشتركة المعلن عنه بين لوس أنجليس وشينزين الشهر الماضي٬ هي أيضا حاسمة في تحقيق النتيجة التي نسعى إليها. ومعا مدينة بمدينة٬ ودولة بدولة يمكننا مواجهة هذا التحدي العالمي.
* جون كيري وزير الخارجية الأميركي
* مايكل بلومبيرغ عمدة نيويورك السابق ومالك مؤسسة «بلومبيرغ»
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»