المواطن العالمي يعاني وبدرجات مختلفة طبعا. يقول الخبراء ان المعاناة لا تنتج عن حجم المشاكل حتى الكبيرة منها، بل عن تتابع مشاكل متعددة خاصة محلية متنوعة تكبر مع الوقت حتى لو كانت بحجم صغير. من هذه المشاكل التلوث أو بالأحرى مشاكل المناخ التي لا يمكن بعد اليوم أن تكون محلية فقط. حرائق كندا أنتجت تلوثا هائلا في شرق الولايات المتحدة ورأينا كيف تلون الهواء فوق المدن الكبيرة ولا أحد يعرف حجم التأثير السلبي لما حصل على نوعية الحياة وصحة الانسان. بعض الخبراء يقولون أن التأثير سيكون كبيرا مع الوقت على تنفس الانسان أي على الرئتين مما يمكن أن يسبب أمراضا خطيرة لا أحد يرغب في التفكير بها.
تنتج مشاكل المناخ كوارث طبيعية في كل القارات والدول، أي في تركيا وسوريا والعديد من الدول الأوروبية. بين أسبوع وآخر تحصل هزات أرضية لا يمكن تجاهلها حتى لو كانت أضرارها خفيفة. لا أحد يعلم كيف ستكون الهزات المستقبلية. تأخر العلوم في فهم مواضيع المناخ مقلق ويوثر سلبا على كل المؤشرات الاقتصادية والحياتية. المدهش هذه المرة هو أن ما حصل من تلوث فوق شرق الولايات المتحدة حصل سابقا في مناطق أخرى في أسيا وغيرها، ولم تعط لها نفس الأهمية. في كل حال ليست هنالك مناطق آمنة مناخيا ولا بد من ترابط المناطق بعضها ببعض. ما هي المؤشرات التي يجب النظر اليها؟
هل الانتاجية هي المؤشر الأفضل للنجاح الاقتصادي؟ نعم اذا اعتبرنا أن الناتج المحلي الاجمالي هو المقياس الأفضل لتقدم المجتمعات ماديا ومعيشيا. هنالك من يناقض هذه النظرية ويعتبر أن زيادة الناتج ليست كل شيء خاصة اذا حصلت مع تلوث كبير يسيء الى الانسان كما الى الهواء والمياه. وسائل الانتاج الحديثة تعزز الماديات لكن هذا ليس كل شيء اذ أن النوعية والسعادة هما المعياران المفضلان للعيش الكريم حتى لو صعب تقييمهما. لذا يرى خبراء الاقتصاد ضرورة ربط العوامل المادية بالنفسية وهذا ما بدأ يدرس منذ 2008 مع الكاتبان تايلر Thaler وسانستين Sunstein في كتابهما Nudge. قال الكاتبان أن هنالك تأثير كبير للمؤشرات النفسية على عمل المؤسسات وتصرفات الانسان. من أهم ما أنتج الكتاب هو أن الانسان لا يعمل دائما للفوز والنجاح، اذ هنالك عوامل نفسية داخله يمكن أن تدفعه الى التصرف عكس ذلك.
كي ينتج الانسان بنجاح لا بد من توافر عوامل متعددة بينها سياسية ونفسية. من المثال الكبيرة هي عملية انتاج طائرة البوينغ 747 والتي تؤشر الى نجاحات كبيرة في التصميم والهندسة والتكنولوجيا كما الانتاج. أنتجت شركة بوينغ 1574 طائرة من هذا النوع قبل أن تتوقف عن ذلك بسبب عوامل الاستهلاك والربحية تبعا لتطور الاقتصاد العالمي. كما كان لبوينغ نجاحات كبيرة، كان هنالك فشل في مشاريع عامة خاصة تلك المرتبطة بالبنية التحتية. هنالك وقائع بشأن تلك المشاريع التي تلزم من قبل القطاع العام لشركة أو أكثر من القطاع الخاص. يمكن ايجازها كالآتي:
أولا: معظم تلك المشاريع العامة يلزم عبر مناقصات «شفافة» علنية. يحصل عليها من يعطي السعر الأدنى. تكمن المشكلة في أن الرابح يعطي في معظم الأحيان سعرا منخفضا جدا لا يمكنه الالتزام به بعلم الطرفين. هنا يبدأ الصراع في زيادة السعر في منتصف الطريق بالاتفاق بين القطاع العام والشركة المكلفة بالتنفيذ تدخل ضمنها جميع معايير الفساد والضغوط السياسية والمادية كما واقع غياب الضمائر.
ثانيا: تشير الاحصائيات الى أن فقط 0,5% من المشاريع العامة التي تلزم عبر مناقصات تنفذ بصدق وضمن المعايير المتفق عليها سابقا والتي تكون موجودة في دفتر الشروط. نصف بالمئة من المشاريع العامة ينفذ ضمن الوقت ويعطي الفوائد والمنافع المنتظرة. لا شك أن هذه كارثة عالمية موجودة للأسف في كل الدول.
ثالثا: يقول المنطق أن من يتحمل أي مسؤولية عليه أن يقوم بها بضمير ونزاهة وضمن معايير العلم والمهنية الكاملة والالتزام بالتنفيذ ضمن الوقت والتكلفة المحددة في العقد. للأسف لا يحصل ذلك في 99.5% من المشاريع العامة بالتضامن والتوافق بين الفرقاء.
هنالك مشكلتان مرتبطتان بما يحصل بما يخص تلك المشاريع أي مشكلة نفسية وأخرى سياسية. في النفسي وفي طبيعة الانسان، هنالك دائما تفاؤل فيما يخص تنفيذ المشاريع وبالتالي يتأمل المشاركون بتحقيق أفضل النتائج علما أن احتمال ذلك ضئيل جدا. ليس هنالك دائما سؤ نية بل عموما أمل في تحقيق الأفضل ضمن معايير تفاؤلية غير واقعية. في العامل السياسي، هنالك تحايل على القوانين سببه غياب الضمائر كما الحاجة الى رشوة مئات المشاركين أو العاملين في القطاعين العام والخاص الذين ينتظرون حالات من هذا النوع للارتشاء وسرقة أموال دافعي الضرائب أي المواطن العادي.
يواجه المواطن ليس فقط مشاكل مباشرة مرتبطة بمعيشته ومستقبل أولاده، وانما أيضا سرقة عامة منظمة تأكل قسما مهما من الضرائب التي يدفعها والتي تنتج عن عرق الجبين. من ناحية المناخ لا بد من الانتقال التدريجي الى مجموعة طاقات نظيفة مما يخفف الضغط على المناخ والعوامل السلبية المؤثرة على السلامة. مشكلة المناخ انه لا يمكن الغاء ما حصل أو السير باتجاه معاكس بل يمكن تخفيف مسيرة الاساءة الى المناخ وهذا ما تحاول كل المؤتمرات الوصول اليه. أما الحرب الأوكرانية المستمرة فضررها تخطى كل التوقعات من ناحيتي الأسعار والاستثمارات مما فرض تعديل كل السياسات المالية للمواجهة أو لتخفيف الأضرار. فهذه الحرب ربما لن تنتهي الا بوقف اطلاق نار، أي لا خاسر ولا رابح وهذا لن يحصل قبل أن يشعر الفريقان أن الطريق مسدودة نهائيا.