Site icon IMLebanon

استنساخ فاشل!

 

ما الذي تعنيه المذبحة المستمرة في الغوطة الشرقية والمحاولات الميدانية لكسر إدلب، مع أنّ المنطقتَين افتراضيّاً وعمليّاً وحسب ما أُذيع ونُشر وقيل في الآستانة وخارجها، تخضعان لـِ«التفاهم» الخاص بالمناطق الآمنة، سوى الدلالة على أنّ الروس والإيرانيين يختلفون على تفاصيل كثيرة، لكنهم يجمعون على ضرورة إكمال البطش بالأكثرية السورية وتثبيت انكسارها وصولاً إلى تبديد احتمال وصولها إلى حُكم سوريا؟ أو المشاركة الوازنة والمؤثرة والفعلية في ذلك الحكم؟

 

ولا تغيّب كثرة التكتيكات والمتناقضات صلابة هذا المنحى الاستراتيجي العام، حتى وإن قيل عن حق، إنّ مفردة الحكم السوري لسوريا صارت حمّالة أوجه، ولم تعد ثابتة أو بديهة، أو أمراً طبيعياً وتلقائياً تبعاً للمنطق القائل بأنّ الدول والكيانات تُحكم بأهلها! وإن «الاستثناء» الإسرائيلي هو استثناء لا مثيل له في عالم اليوم…

 

كأنّ سوريا صارت المثال الثاني! وكأنّ الروس والإيرانيين يحاولون استنساخ المثال الإسرائيلي ويعملون بتدرّج ناري ودموي أكثر كثافة، على إتمام نضوج ذلك المعطى. وتغييب «السيادة» الوطنية السورية في شقّها الأكثري بعد أن مكّنهم الشقّ السلطوي الفئوي الحزبي الأقلّوي من ذلك، وأثبت أنّه برمزه الأول الرئيس السابق بشار الأسد، التعبير الحي والعملي والملموس عن شعار «الطغاة الذين يجلبون الغزاة». والذين في كل حال وأحوال، لا يخفون تمكّنهم ولا تحكّمهم بالأرض والقرار! ولا يعوّفون فرصة سانحة لتأكيد أولويّتهم على تابعهم! وعلوّ كلمتهم في الصغيرة والكبيرة! وقلّة اكتراثهم حتى بالشكليات والتوريات والمغطّيات لصالح ترسيخ المضمون الحاكي عن واقع الحال الاحتلالي!

 

لا يكذب إلاّ على نفسه وقومه رئيس بقايا السلطة في دمشق عندما يتصرّف وكأنّه لا يزال يمون على شيء! أو أن «قواته» هي التي تحاول تكسير الجدران السميكة للغوطة الشرقية! أو التمدّد في ريف أدلب! أو الوصول إلى «مطار أبو الضهور».. أو تحميل «وفده المفاوض» ورئيسه الأرعن، ملفات ثقيلة الوزن والحجم! وكأنّه بالشكل والفهلوة الكلامية يمكنه أن يغطّي على حقيقة هامشيّته التامّة وعدم امتلاكه لأي «صلاحية» تخوّله البتّ بمستقبل سوريا! وشكل نظامها المطلوب! وجغرافيتها السياسية! و«دستورها» المرتجى! والخطوط العريضة والرفيعة للعراضة البلفية المسمّاة «مفاوضات»!

 

الانتهاك الخطير لما يُسمى «تفاهم» المناطق الآمنة، وبتلك الطريقة الهمجية المألوفة في أداء آلة الحرب الروسية – الإيرانية، لا يدلّ سوى على تكالب نحو ترسيخ «الحل العسكري» طالما أنّ الفرصة سانحة! والملعب مفتوح!.. وإدارة دونالد ترامب في عالم آخر! وطالما أنّ البلف آخذ مداه: كلام كثير عن جنيف – 9 وآستانة وسوتشي، فيما الواقع الموازي هو أنّ الأرض تغلي والمذبحة مستمرة والبيئة الحاضنة للمعارضة تنزف الدماء والأرواح وتُدفَع دفعاً بالنار والعدوان والخزي والغدر إلى التسليم بالعشرة! والعودة الخانعة من تيه تحرّرها وثورتها! والقبول الإذعاني بواقع الاحتلال المزدوج الوارث لسلطة باغية عزّ مثيلها وطبعها وطبائعها في العالمين!

 

نقطة الضعف القاتلة، في أداء الروس والإيرانيين، هي محاولتهم بناء استراتيجية ثابتة على واقع متحوّل وشديد الآنية والمفاجآت.. عدا عن إساءتهم الظنّ بإرادة السوريين! وقدرتهم الأسطورية على تكسير محاولات استنساخ المثال الإسرائيلي في بلادهم!