Site icon IMLebanon

أغلقوا النوافذ ولا تفتحوها!

 

يقتنع الجميع بأنّ المفاوضات الاميركية – الايرانية ستحصل في نهاية الأمر، لكنّ السؤال: متى سيحصل ذلك؟ وفي انتظار دنو الموعد يندفع الجميع في لعبة الرقص على حافة الهاوية، ما يضع الشرق الاوسط وساحاته تحت ضغط استعراض أوراق القوة والتلويح بالحرب المباشرة او بالواسطة. هي مرحلة عدم اتّزان يخاطر البعض بالسقوط فيها، وان يكون ثمناً لها، وهو ما يصح بجانب كبير منه على الساحة اللبنانية واللاعبين فيها.

 

إنّ الكشف عن دعوة الرئيس الاميركي دونالد ترامب وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف للاجتماع به في البيت الابيض هو مؤشّر بالغ المعاني ولو رفضت طهران العرض، بل إنّ ظريف الذي كشف تلقّيه تهديداً اميركياً بفرض عقوبات عليه في حال الرفض، قال إنّ ترامب لا يريد التفاوض، بل يبحث عن صور تذكارية.

 

والواضح من كل ذلك أنّ الخلاف هو على مضمون اللقاء والاثمان الواجب دفعها، لا على مبدأ اللقاء المباشر. وقد أكد ذلك الكلام الذي أدلى به الرئيس الايراني حسن روحاني في طهران امام وزير خارجيته، حين قال إنّ بلاده تؤيّد المحادثات مع واشنطن، لكن بعد ان ترفع كل العقوبات التي تفرضها على ايران. في الواقع تريد ايران العودة الى ما قبل عقوبات ايار.

 

في هذا الوقت، تستمر ايران في استعراض أوراق قوتها في المنطقة امام الولايات المتحدة الاميركية. فبعد اليمن والعراق ومضيق هرمز، والتي أكدت بوضوح انّ واشنطن لا ترغب لا من قريب ولا من بعيد بالحرب المباشرة مع ايران، رفعت طهران ورقتها الفلسطينية، فاستقبل مرشد الثورة السيّد علي خامنئي وفداً من «حماس» بعد علاقة متأرجحة طوال الاعوام الماضية. أرادت ايران بإعلانها عن اللقاء الاشارة الى استعادتها الكاملة لـ»حماس». لكنّ الاهم ما كشفته القناة 12 في التلفزيون الاسرائيلي عن أنّ طهران رفعت من دعمها المالي لـ»حماس» بناءً على طلب المنظمة الفلسطينية من حوالى 6 ملايين دولار شهرياً الى 30 مليون دولار. ما يعني رفع الدعم المالي السنوي من 70 مليون دولار الى 360 مليوناً.

 

وفي هذه الخطوة الكثير من الرسائل الايرانية لواشنطن، الرسالة الاولى انها ليست مأزومة مالياً بالقدر الذي تتخيّله واشنطن، بدليل انها قادرة على رفع نسبة دعمها المالي لحركة «حماس» الى هذا المقدار. وبالتالي، فإنّ الرهان الاميركي على واقع إيراني مالي صعب سيدفع بالمسؤولين الايرانيين الى الدخول، بأي شروط كانت، في مفاوضات مع الاميركيين، هو رهان خاطئ.

 

في المقابل تقول أوساط ديبلوماسية معنية انّ واشنطن، ورغم الرسالة الايرانية، واثقة بأنّ طهران تعيش وضعاً مالياً بالغ الصعوبة، وانّ خطوتها تجاه «حماس» تهدف لخداع الاميركيين لا أكثر.

 

امّا الرسالة الثانية فهي في التلويح لتل أبيب وواشنطن من خلفها بأنّ «حماس» ستتولى دوراً حاسماً في حال تطور الأمور في اتجاه الحرب المفتوحة، وانها ستقوم بفتح الجبهة الجنوبية على إسرائيل لتشتيت قدرتها في حال قرّرت مهاجمة «حزب الله» إنطلاقاً من جبهتها الشمالية، اضافة الى إعادة العلاقات الى طبيعتها بين «حماس» ودمشق.

 

لكنّ استطلاعاً للرأي أجراه المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي في الفترة الواقعة ما بين 27 حزيران و15 تموز أظهَر تراجع الحماسة الفلسطينية لحركة «حماس»، خصوصاً لدى سكان غزة بخلاف الضفة الغربية. فأبدى 27 في المئة من فلسطينيي الضفة الغربية عدم اهتمامهم بالصراع الفلسطيني – الاسرائيلي في مقابل 52 في المئة لفلسطينيي غزة. وفيما أبدى 50 في المئة من سكان الضفة تأييدهم وجوب حفاظ «حماس» على وقف إطلاق النار مع اسرائيل، إرتفعت النسبة في غزة الى 68 في المئة. كما اعتبر 46 في المئة من سكان الضفة انه على «حماس» أن تتوقف عن المطالبة بتدمير اسرائيل، وان تقبل بدلاً من ذلك حَل الدولتين الدائم الذي يستند الى حدود عام 1967 فإنّ النسبة في غزة كانت 61 في المئة.

 

وكان اللافت تأييد 57 في المئة من أبناء الضفة إيلاء مزيد من الاهتمام للتصدي للاتجاهات الاسلامية المتطرفة، فيما كانت النسبة في غزة 78 في المئة.

طبعاً، إنّ واشنطن، التي اهتمّت بنتائج الاستطلاع، أخضعته للدرس والتقييم في إطار تمرير مشروعها الاساسي وهو «صفقة القرن».

 

ولا يدخل بعيداً من ذلك إعلان وسائل إعلام اسرائيلية طَلب تل ابيب من لندن التقدّم بطلب رسمي من لبنان، يقضي بإبعاد رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح العاروري عن لبنان، في مقابل التهديد بوقف التعاون المشترك البريطاني – اللبناني.

 

وهي ليست الورقة الوحيدة التي تلوّح بها العواصم الغربية بوجه ايران، ففي الساحتين العراقية والسورية شائعات عن عودة «داعش»، مع الاشارة الى انّ ظهوره تَزامَن مع الانسحاب الاميركي الجزئي من سوريا، وإعلان واشنطن رفضها تَمدّد نفوذ ايران في مناطق الانسحاب الاميركي. هذا في وقت تزداد تعقيدات الشمال السوري، وإصرار تركيا على التحرك شرق الفرات لضرب الاكراد، وهو ما ترفضه واشنطن بحزم.

 

لكنّ الجديد هو سعي موسكو لترتيب تسوية جانبية مع تركيا، قوامها ادلب في مقابل شرق الفرات.

 

ومن السذاجة الاعتقاد انّ لعبة عض الاصابع الحاصلة لا تصيب لبنان. فمن نتائج حادثة قبرشمون أنها فتحت الباب لإعادة ترتيب معادلة داخلية جديدة مختلفة عمّا شهده النصف الاول من عهد العماد ميشال عون. وبهذا المعنى أخطأ الوزير جبران باسيل عندما قدّم لوليد جنبلاط «هدية» ثمينة أعادت له دوراً سياسياً اشتكى من فقدانه طوال السنوات الماضية، بل يقول أحد الديبلوماسيين الاوروبيين انه على جنبلاط توجيه شكره لباسيل حيال إعادة إتاحة فرصة إثبات وجوده مرة جديدة، من خلال إصراره على القيام بجولته يومها.

 

فالظرف الاقليمي صعب ودقيق، وكان يستوجب حسابات حذرة. بدليل انّ إطلاق السقوف المرتفعة كانت تتضمّن، ولو بخَفر، الاستعداد للعودة الى التسوية، لأنّ الواقع الاقليمي يفرض ذلك. ما يعني انّ تعليق جلسات مجلس الوزراء قد لا يطول كثيراً، ولكن بعد إنجاز تسوية كان الرئيس نبيه بري قد باشَر التحضير لها. بل أكثر، فإنّ همساً يدور في الكواليس بأنّ «حزب الله»، الذي يراقب الاحداث الداخلية بمقياس إقليمي، قد يفتح أبواب المصالحة بينه وبين وليد جنبلاط، ولكن بعد إنجاز المصالحة بين جنبلاط والنائب طلال ارسلان. فالمرحلة هي مرحلة إغلاق النوافذ لا فتحها.