IMLebanon

نهاية قريبة للرهانات على التدخّل الروسي التسرّع اللبناني تدحضه وقائع تتجاوز “العقم”

من غير المستبعد ان تنتهي قريباً جداً الرهانات اللبنانية الداخلية على انعكاسات معينة وفورية للتدخل الروسي في لبنان وفي اتجاهات محددة تغلب سيطرة فريق على آخر، كما انتهت الرهانات على استحقاقات أخرى دولية واقليمية في الاشهر الاخيرة. فالرهان كان في شكل أساسي قبل أشهر قليلة على توقيع الاتفاق النووي بين الدول الخمس الكبرى زائد المانيا مع ايران على اساس انه سيكون المحرك لتفاوض اقليمي حتمي كما لتفاوض دولي يقر بنفوذ ايران ويتيح حلحلة في ملف لبنان قبل أزمات المنطقة المعقدة. ثم انتقل الرهان على تاريخ اقرار هذا الاتفاق في الكونغرس الاميركي وفي البرلمان الايراني خلال الشهر الحالي على ان يكون بدء تنفيذ الاتفاق موعدا لانطلاق العد العكسي بالنسبة الى الاستحقاقات اللبنانية. ومع ان التدخل الروسي استبق هذا الاستحقاق الاخير، فان مسار الاتفاق في ذاته طغى عليه التدخل الروسي في سوريا انقاذا لنظام بشار الاسد فاختلطت الاوراق مجددا لكن من دون ان ينفعل كثر مع هذا التطور على قاعدة انه سيطلق مرحلة جديدة مختلفة في توازناتها ويترك انعكاسات ملموسة في الداخل.

بعض هذه الرهانات خفف من غلوائه كلام السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبكين بالذات في أثناء زيارات قام بها لسياسيين لبنانيين لشرح مبررات التدخل الروسي وأهدافه. فقال بعد لقائه الرئيس امين الجميل ان “مسألة انتخاب رئيس للبنان صعبة والرئاسة مرتبطة بالاوضاع الاقليمية”. وهو ليس أمراً جديداً لجهة ان الرئاسة باتت مرتبطة بالأوضاع الاقليمية، بل هو أمر يعرفه السياسيون اللبنانيون ويعملون بهديه ولذلك يحصل الانتقال من رهان على استحقاق خارجي الى آخر مع استمرار المحاولات لتعزيز الاوراق الداخلية ومحاولة تقويتها او الحصول على اوراق اضافية متى اتيح ذلك تمهيدا لتعزيز المواقع حين يحين موعد التفاوض الجدي. انما الجديد صدوره عن السفير الروسي وعقب تظاهرات عبرت بقوة عن رهانها على التدخل العسكري الروسي من اجل دفع الامور لمصلحتها في الداخل.

الامر الآخر الذي اظهر تسرعاً معهوداً في الرهانات المحلية هو اتجاه الصراعات الاقليمية والدولية فوق أرض سوريا الى ابعاد أخرى بعد عدم نجاح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اقناع الغرب عموماً وواشنطن خصوصاً كما الدول العربية بالمنطق الذي أملى عليه التدخل العسكري والذي يناقضه فيه الغرب لجهة انه لا يستهدف القضاء على تنظيم الدولة الاسلامية. فالتجاذب الغربي والعربي على اشده مع موسكو فيما الحرب التي بدأتها روسيا في سوريا لا تزال في بداياتها. ولا يجوز التقليل من هذا التجاذب او تجاهل نتائجه. وبالامس اختصرت السفارة البريطانية في بيروت ما اعتبرته “حقائق” في ما خص زيادة التدخل العسكري الروسي وزعتها عبر البريد الالكتروني وارفقت به “خريطة تظهر المواقع التي استهدفها القصف الروسي في سوريا والذي لم يستهدف مواقع تنظيم داعش”. وهو ما يبدو ردا واضحا وصريحا على ما يخرج به المسؤولون الروس يوميا في استعراض ما يقوم به الطيران الروسي على الأراضي السورية فيدحض في الواقع أمام الرأي العام الدولي ما تذهب اليه روسيا حول أهدافها المعلنة من الحرب في سوريا اي القضاء على تنظيم الدولة الاسلامية ويمس صدقية هذا المنطق. وتقوم هذه الحقائق على واقع ان القصف الذي بدأته روسيا في 30 أيلول استهدف بنسبة 85 في المئة مواقع ليست لداعش بل للمعارضة وان ثلاثة مستشفيات ميدانية تعرضت للقصف الروسي ما أدى الى اصابة 707 مدنيّين ومقتل 274 آخرين في الغارات وقصف النظام الذي أسقط أكثر من 356 برميلاً متفجراً في مناطق المعارضة. ولم تغفل واقع ان ذلك يضعف الذين يقاتلون داعش الذي سيتاح له تحقيق مكاسب على الارض. وهذا ان دل على شيء، فعلى ان الحرب الاعلامية على أشدها من اجل دحض صدقية المنطق الذي يبرر به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تدخله العسكري المباشر في الحرب انقاذا للنظام السوري وعلى ان هناك تناقضا قويا في المصالح يقول بعض من يدعم المحور الذي بات يقوده الرئيس الروسي وانضوت في ظله ايران التي بات عسكرها وميليشياتها يشكلون الجيش الذي يستعين به على الارض لاستعادة “استقرار السلطة الشرعية ” أي الاسد، انه ينطوي على عدم رغبة في ان يحقق الروس انتصاراً في سوريا لانه يظهر عجز الاميركيين ويجردهم من أحادية وجودهم في منطقة الشرق الاوسط. فيما يقول آخرون انه ينطوي على محاولة فرض حلول لا تستقيم مع واقع ما انتهت اليه الحرب السورية.

وهذا ان كان مؤشراً الى شيء، فانما الى احتمال امتداد الصراع من دون أفق محدد في حين يتم التلهي برهانات عقيمة كان يمكن الاستغناء عنها لو وضعت مصلحة لبنان جدياً قبل أي أمر آخر وتم تحصينه نسبيا عما يجري من حوله. لكنه الآن بات معلقاً على وضع ستاتيكو لا يسمح بالانهيار وفق ما يبدو سياسيون مرتاحين الى ذلك لكنه لا يسمح بالتقدم أيضاً في وقت تقتل المراوحة لبنان على صعد مختلفة.