عُلم أنّ الصراع السياسي حول الملفات الخلافية وكذلك بشأن قضايا استراتيجية وفي صلبها ملف النازحين والتطبيع بين الحكومتين اللبنانية والسورية، يبقي الحكومة متأرجحة بين اعتماد سياسة النأي بالنفس أو الوصول إلى معاداة المجتمع الدولي حيث هناك علامات استفهام كثيرة بشأن السياسات الخارجية في البلد ولا سيما في الآونة الأخيرة، في وقت ثمة أجواء عن زيارات مرتقبة لعدد لا يستهان به من الوزراء إلى دمشق، وتتحدث معلومات أخرى عن مفاجآت في هذا الصدد سيكون لها وقعها السلبي على صعيد التضامن الحكومي، إذ هناك من يشير إلى أنّ بعض الوزراء وضعوا رئيس الحكومة في صورة زياراتهم بينما يقول أحد الوزراء في مجالسه إنّ حزبًا بارزًا وأساسيًّا وحليفًا لدمشق وطهران هو من يحرّك هذه الزيارات والتي ستمتد لاحقًا إلى إيران على خلفية توقيع عقود تعود بالفائدة على البلدين في حقول خدماتية واجتماعية، إنّما ذلك إذا استمر وتخطى المرسوم له سيؤدي إلى اهتزاز الحكومة وشرذمتها وهذا ما يدركه رئيسها سعد الحريري تحديدًا الذي يحاول تدوير الزوايا قدر الممكن إنّما هناك خصوصية تحيط بالحكومة بفعل توزّع وزرائها بين هذا المحور وذاك، وعلى هذا الأساس قد يكون المجتمع الدولي راعى هذه الخصوصية إنّما بعد العقوبات الأميركية الراهنة على طهران وحزب الله لم يعد هناك اعتراف بالخصوصية اللبنانية السياسية والطائفية ودقة المرحلة بل المطلوب الالتزام في أكثر من أي وقت مضى بإجراءات واشنطن والمجتمع الدولي.
وعلى خط آخر، عُلم أنّ رئيس الحكومة كان يعلم خلال المشاورات الجارية للتكليف وبعدها التأليف وعندما شُكّلت الحكومة بأنّه سيواجه تلك العقبات وما يحصل اليوم، إنّما في حال استمرارها ووصولها إلى حالة متقدمة من التطبيع بين لبنان وإيران، عندئذٍ سيكون له موقف حاسم وكبير جدًّا، لأنّ هناك أيضًا اعتبارات وخصوصية أخرى في علاقة لبنان بدول الخليج والمجتمع الدولي بشكل عام وخصوصًا أموال سيدر ومؤتمر بروكسل إلى أجواء حول جولات سيقوم بها رئيس الحكومة إلى الخليج ودول أوروبية وربما إلى واشنطن، ومن الطبيعي لا يمكنه القيام بها ولم يكن بحوزته ما يؤكّد على الموقف الرسمي للحكومة الملتزم بهذه الخطوات والإجراءات تجاه إيران وحزب الله، وصولاً إلى التزام آخر بالإصلاحات الاقتصادية والمالية ربطًا بما تقرّر في سيدر.
ويبقى أنّ الأسابيع المقبلة، وفق المتابعين من مصادر دبلوماسية رفيعة، قد تشهد تطورات على صعيد الوضع الإيراني الذي سيشكل انعكاسات سلبية من خلال ما قد يصل إليه هذا الملف من تجاذبات سياسية وربما ما يتخطاها بكثير على الداخل اللبناني نظرًا للتحالف العقائدي والسياسي والأمني بين حزب الله وحلفائه في لبنان مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويقال إنّ زيارة وزير الخارجية الفنزويلي إلى بيروت ولا سيما لقاءه مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إلى لقاءات أخرى بقي معظمها بعيد عن الأضواء، فذلك كان بهدف قيام جبهة من بعض دول المنطقة وتنظيماتها وأحزابها لمواجهة حصار فنزويلا والعقوبات المفروضة عليها من الولايات المتحدة الأميركية والأمر عينه ما يحصل تجاه إيران والسؤال هل سيكون لبنان مجددًا في عين العاصفة أمام هذه التطورات؟ فهذه الإجابات قد تظهر مؤشراتها في وقت ليس ببعيد أمام صعوبة المرحلة ودقتها، نظرًا لوجود حزب الله الذي له ذراعه العسكرية القوية وبنيته السياسية كذلك بعض الفصائل الفلسطينية المعارضة والتي تتبع للحزب ولإيران ولسوريا مما يرخي بظلاله على ما ينتظر لبنان من تحولات وتغيرات في المنطقة قد يكون لها تأثيرات كبيرة على الداخل اللبناني، والسؤال الآخر كيف ستتم المواجهة داخل الحكومة وأي قرار ستقدم عليه في ظل اختلال موازين القوى بين مكوناتها؟.