Site icon IMLebanon

«غيمة صيف» بين وليد ومروان

عندما انقسمت الكتلة الجنبلاطية «التقليدية»: النائب وليد جنبلاط سمّى الرئيس نجيب ميقاتي ورفيقه النائب مروان حماده سمّى الرئيس سعد الحريري، لم يصدِّق كثيرون أنّ الانقسام حقيقي. فما بين وليد ومروان أكبر من مجرد «تكتيكات» سياسية. إذاً، لماذا وقع الاشتباك المفاجئ بين الرجلين؟

لم يخطر في بال حمادة أنّ بضع كلمات قالها في ذكرى استشهاد اللواء وسام الحسن ستقوده سريعاً إلى مشاحنة مع جنبلاط وبعض الرفاق. فقد ظهر «أبو تيمور» مستاء من عبارة أوحَت بأنه «ترك الحريري في منتصف الطريق»، وردّ على مروان من دون أن يسمّيه: «ليس هناك جمرك على الحكي والمزايدات… الله يهديهم»!

أمّا الوزير وائل أبو فاعور فكان أشدّ قسوة، إذ قال: «إنّ جنبلاط لم يترك أحداً أو يتخلّى عن أحد في منتصف الطريق، لأنه لم يتبع أحداً في يوم من الأيام، بل اتّبع القناعات.

والتقدميون لا تستهويهم المزايدات ممَّن تخلَّف عن فهم المخاطر المتأتية عن الانقسامات القاتلة، والمواقف التي لا تراعي هذه المخاطر». وبَدا حمادة مصدوماً بالحملة غير المتوقعة التي جاءته من «الصديق الكبير والحلفاء الأعزّاء»، كما يصفهم، ويضيف: «ربما نُقِل إليهم تفسير خاطئ لعبارة لم تكن تستهدفهم». وهو يستغرب تأويل كلامه، وإلصاقه بعبارات من نوع «التخاذل والتراجع»، لم ترِد على لسانه.

في أي حال، لا يرغب حمادة في أن يولي الموضوع أكثر ممّا يستحقه من الاهتمام. وهو مقتنع بأنّ جنبلاط لا يمكن أن يصدِّق أنّ مروان يضبط ساعة اتهامه بالتخلّي عن سعد الحريري في اللحظة التي كان فيها جنبلاط والحريري مجتمعين في المملكة العربية السعودية!

كما لا يمكن لجنبلاط أن يصدِّق أنّ مروان استهدفه سياسياً، وهو الذي كلَّفه قبل أيام قليلة تمثيله في ذكرى الشهيد داني شمعون. ولا يمكن لجنبلاط أن يصدِّق أنّ مروان يستهدفه، وهو الذي رافقه في جولة على قرى في الجبل.

ويقول العارفون بالوضع الدرزي: الجميع يدرك أن لا طموح سياسياً لدى مروان، كي يغمز من قناة المختارة. فلا تُغريه الطموحات لبناء زعامة درزية خاصة به في الجبل، علماً أنّ آل حمادة أدّوا دوراً عميقاً في تاريخ الدروز، من الباب اليزبكي، إلى أن جذبهم مروان إلى الجنبلاطية.

وعندما انفصل مروان وبعض النواب عن كتلة جنبلاط، غداة تسمية ميقاتي رئيساً للحكومة، بعد إسقاط الحكومة الحريرية، أخذ معه ثلاثة من النواب المسيحيين هم: هنري حلو وفؤاد السعد وأنطوان سعد، ولم يكن معه أيّ نائب درزي.

ولذلك، في تقدير حمادة أنّ سوء فهم عابر قد حصل بينه وبين «الحلفاء»، وهو غيمة صيف لا أكثر. وكان الجميع في غنى عن هذا الإشكال لَو لم يتمّ، ربما، نقل تفسير خاطئ إلى جنبلاط، ولو اتخذ رفاق مروان القدامى جانب التروّي قبل إطلاق المواقف السريعة.

والمستغرب أن تقود كلمات عابرة إلى هذا الإشكال بين الرفاق، فيما مرَّت مراحل بلغت الانقسامات ذروتها، وتميَّزت بالغليان السياسي، ولم يطرأ ما يعكِّر صفو العلاقة بينهم.

ففي المرحلة التي أعقبت تسمية ميقاتي، لم يلجأ حمادة إلى استهداف جنبلاط في أي يوم، وبقي يحافظ على خيط يحفظ العلاقة التاريخية بينهما. والعكس صحيح أيضاً.

المطّلعون يقولون: لقد عمل مروان مع وليد منذ مجيئه إلى المعترك السياسي، ولم يتركه يوماً. وهذا التاريخ من العمل المشترك يتمسّك به الجميع. ولذلك، كان ردّ جنبلاط خفيفاً، بل أقرب إلى العتب، فيما جاء ردّ أبو فاعور قوياً.

بعد استشهاد كمال جنبلاط في آذار 1977، وإلباس وليد عباءة الزعامة، اضطلع حمادة بدور أساسي في صعوده السياسي، وسط حرب أهلية طاحنة. وهو واكَبه في محطاته كافة، من عودة والدته من باريس، واجتياح 1982 ومرحلة 17 أيار 1983، وفتحَ له أبواب العلاقات مع الأوروبيين.

وكان مروان حلقة التواصل الأولى بين وليد والرئيس رفيق الحريري. وهو واكبَ جنبلاط في مرحلة الصدام مع السوريين، وصولاً إلى محاولة الاغتيال التي تعرّض لها، ثم خروج القوات السورية.

ويقول العارفون بأجواء المختارة إنّ جنبلاط بقي يحفظ لصديقه القديم وفاءه ودوره في مسيرته السياسية، حتى في المراحل الأخيرة بعد انقسام الكتلة. وهو خصوصاً يثمِّن له تضحيته كـ»شهيد حيّ»، كاد يقدِّم حياته ثمناً لمواقفه السياسية. ولن ينسى أنّ ابن شقيقته هو الشهيد جبران تويني.

ولا يحرص جنبلاط على العلاقة السياسية بينه وبين حماده فحسب، بل على العلاقة الشخصية أيضاً. ومن المشاهد التي يتذكّرها كثيرون، أنّ مروان كان من القلائل الذين قبَّلوا يد والدة وليد، المرحومة مي إرسلان جنبلاط، خلال تشييعها، كما قبَّلها وليد نفسه. وفي هذا المشهد ما يؤشِّر إلى طبيعة العلاقة بين مروان والبيت الجنبلاطي.

في أيّ حال، يبدو أنّ الاتصالات السريعة التي أعقبت الإشكال بين وليد ومروان في طريقها إلى بلورة الصورة. وربما أدرك الجميع أنهم، من دون عِلم منهم، وَقعوا ضحية التسرُّع في طريقة التعبير أو طريقة التفسير. فربما تكون حماسة حمادة في التعبير، في مناسبة ساخنة هي اغتيال الحسن، أوقعته في إشكالية. كما أنّ حماسة أبو فاعور في التفسير، دفاعاً عن جنبلاط، زادت الأمور سخونة. وفي الحالين، حماسة الرجلين لم تنطلق من نيّات سيئة، كلّ تجاه الآخر.

يقال في الجبل إنّ «البرد هو سبب كل علّة». وتبدو «غيمة الصيف» الجبلية في طريقها إلى العبور، بعدما اكتشف «الرفاق» جميعاً أنّ «الحماسة سبب كل علّة» أيضاً. وفي أيّ حال، يلتقي رفاق وليد القدامى جميعاً على اقتناع واحد اختبروه، وهو أنّ طُرُق الجبل، قد يكون فيها الكثير من المنعطفات، لكنها كلها تقود إلى… المختارة. فلا حاجة إلى التسابق، ولا جدوى!