IMLebanon

فضاء عام خلقته التكنولوجيا وأسقط التابوهات

 

“كلوب هاوس” يُنافس نجوم الإعلام ويحوّل الناشطين إلى محاورين

 

في وقته المناسب جاء تطبيق “كلوب هاوس” للدردشة الصوتية ليلبي حاجات اللبنانيين إلى التعبير وإلى الالتقاء في فضاءات عامة قضت عليها القوى السياسية منذ حرب العام 1975، قبل أن تقضي جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية على ما تبقى منها. وازدادت شهرة التطبيق في لبنان في الشهرين الأخيرين، حيث انخرط فيه الناشطون والإعلاميون وتبعهم السياسيون ورجال دين إلى هناك.

 

ظل التطبيق الجديد يميز بين حاملي “آبل” وحاملي أجهزة “أندرويد”، ولم يفتح المجال لهؤلاء لدخوله إلا قبل أيام قليلة. ومن حسنات “كلوب هاوس” أنه يقارع الإعلام التقليدي خصوصاً في لبنان، ليواجه قمعه ومهماته، حيث يفرض التمويل والمصلحة الأجندة ويوجهان برامج الحوارات. ففي غرف التطبيق اللبنانية تفتح النقاشات في كل المواضيع، لا تابوهات لا ممنوعات ولا أجندة يحددها الممول. لكن أحزاب السلطة و”مؤثريها” انتقلوا إلى هناك لمحاولة تأطير الناس مجدداً والحرص على عدم خروجهم عن الانقسامات المرسومة لهم. وهناك أيضاً بدأ البعض يحضّر لخوض الانتخابات النيابية المقبلة.

 

اليوم باتت غرف “كلوب هاوس”، متنفساً للناشطين ومنصة للتعبير عن آرائهم ولطرح أفكارهم وحصد متابعين. كما باتت محط أنظار الأحزاب ومناصريها وإعلامها. وعبر غرف النقاشات يظهر وكأن هناك من يحاول التدخل لخنق المساحات التي خلقها التطبيق عبر محاولات ضبط الخطاب والحرص على بث خطاب السلطة هناك وفرض تابوهات وخطوط حمر. لكن التطبيق يحد من إمكانية إستخدام الجيوش الإلكترونية الوهمية في طرح الآراء، كما هي الحال في التطبيقات الأخرى خصوصاً عبر “تويتر”.

 

وداخل “كلوب هاوس” يمكن لأي مستخدم أن يفتح غرفة للنقاش تتسع لـ 5000 آلاف مشارك. يحدد موضوع النقاش عبر عنوان يظهر للمستخدم. فإما أن يجذبه العنوان واسم مديري الجلسة فيدخل، وإما يهملها ويبحث عن غرف أخرى تلبي اهتماماته.

 

في حديثها إلى “نداء الوطن” تصف الإعلامية يمنى فواز تجربتها على المنصة بالممتعة والمفيدة. وتضيف أنها استفادت منها كصحافية حيث فتحت أمامها المجال للتواصل مع صحافيين في لبنان والعالم العربي بل وحتى حول دول العالم. “فتحت مساحات نقاش على مستوى تطوير الميديا والصحافة لم نخضه منذ سنوات خصوصاً مع جائحة كورونا. كما كسرت حواجز خلال التواصل بين المتمرسين في هذا المجال وبين أشخاص من خلفيات مهنية مختلفة”. وتضيف فواز أنها تمكنت بفضل التطبيق من التواصل مع أشخاص “لم يكن من السهل التواصل معهم من قبل” كزملاء عرب بالإضافة إلى صحافيين حول العالم بعضهم يعمل في الـ “سي أن أن” والـ “بي بي سي”.

 

وبات للرأي العام منصته

 

وفيما تعاني المحطات التلفزيونية ومنذ سنوات من أزمات عديدة، جاء التطبيق ليفقدها مزيداً من المشاهدين وليعمّق أزماتها. حيث باتت تحتدم النقاشات في غرف “كلوب هاوس” تزامناً مع برامجها الحوارية التي تبثها مساءً في “وقت الذروة”. ووفق فواز أثر التطبيق على مقدمي البرامج والمذيعين و”أبعد الأضواء عن الأشخاص الذين هم دائماً تحت الأضواء”. وتشير إلى أنه فتح المجال أمام كل شخص ليخوض هذه التجربة بنفسه وأباح له لعب دور المقدم ومدير الحوار.

 

وترى فواز أن الرأي العام بات يملك منصته الخاصة ولم يعد ينتظر التلفزيونات. “قال كلوب هاوس للتلفزيونات يمكننا خلق نقاشاتنا الخاصة، لن تتحكموا بما يمكننا مشاهدته ولمن نرغب بأن نستمع وبالنقاشات التي نريد طرحها”.

 

بدورها تقول الناشطة السياسية ألين فليحان إنها ومنذ العام 2011 توقفت عن مشاهدة المحطات التلفزيونية خاصة المحلية “لأنها مرتهنة لمموليها”. وتضيف أنها تفضل استخدام التطبيق على مشاهدة حلقة سياسية عبر التلفزيون. وتبرر ذلك بالتفاعل الذي يتيحه التطبيق، بالإضافة لكونه “أكثر ديمقراطية من حيث التعبير عن الرأي والتفاعل”.

 

السياسيون يحاولون تلميع صورتهم

 

لاحظت فواز أن السياسيين كانوا بدايةً يدخلون غرف النقاشات كمستمعين من دون أن تتم استضافتهم كمتكلمين، وكانوا “متعطشين لذلك”. أما اليوم فيستخدم كثر منهم التطبيق بهدف مخاطبة الناس. ويحاول بعضهم التقرب من المجموعات المعارضة لتحسين صورتهم وامتصاص الخطاب المناهض لهم تمهيداً للانتخابات النيابية المقبلة.

 

وعما إذا تغيرت العلاقة بين الناشطين المعارضين والشخصيات السياسية والمسؤولين، تجيب فليحان بالنفي. “فالموقف واضح من هؤلاء، لكن التطبيق سهّل التواصل معهم وإيصال وجهة نظر المعارضين. لأن معظم المحطات التلفزيونية لا تمنح المعترضين مساحة عادلة، بل يتم قمع معظمهم وإسكاتهم”.

 

وترى الناشطة أن هدف معظم السياسيين من الدخول إلى “كلوب هاوس” هو لتلميع صورتهم والتقرب من الناس. وتلفت إلى أن الأمر قد يؤثر على الخطاب العام.

 

كذلك، وعبر “كلوب هاوس” بدأ العديد من الأحزاب والتنظيمات إدارة حوارات حول الانتخابات النيابية المقبلة. وتعتبر فليحان أن الهدف من هذه الحوارات قياس نبض الناس، لكنها ترى أن الموضوع لم يطرح بالمباشر بعد. وهو ما يشكل بالنسبة إلى الناشطة الشابة مؤشراً الى التوجه لاستخدام المنصة مستقبلاً كوسيلة للتواصل مع الناس وللترويج للحملات الانتخابية.

 

مجموعات الترهيب حاضرة

 

وفي حين تخشى الأحزاب الحاكمة من أي مساحة نقاش تحدّ من قبضتها على آراء الناس ومن رقابتها على ما يسمعونه ويقولونه، تترصد بعض مجموعاتها غرف النقاش وتدخل بشكل جماعي في بعض الأحيان لضرب النقاشات وقمع المتحاورين وترهيبهم. يحاول هؤلاء فرض خطوط حمر على مديري الحوارات وإن كانوا إعلاميين. وهو ما يخلق في بعض الأحيان توتراً يؤثر على مسار النقاش ويشعر بعض المتكلمين بعدم الأمان.

 

بدورها لاحظت فليحان في المدة الأخيرة تعمد مناصري أحد التيارات السياسية الدخول إلى غرف النقاشات واستفزاز المتكلمين ليتم تسجيل ما يقولونه أثناء انفعالهم. “وتنشر هذه المحادثات عبر تويتر للقول انظروا كيف يتعاطى معنا مؤيدو الثورة. والتخوف هو من القمع والترهيب الذي قد يتسبب به تسجيل النقاشات وتسريبها”.

 

مهمة صعبة

 

تصعّب محاولات المحازبين الانقضاض على الأصوات الحرة عبر التطبيق المهمة على مديري الحوارات في الغرف المفتوحة حيث يسمح بعدد كبير من المتكلمين. إذ تدخل مجموعاتهم للتشويش والترهيب. وهو ما يتطلب وفق فواز تدخلاً حاسماً من قبل مدير الحوار لضبط الجلسة. فيتم إسكات هؤلاء ويسحب منهم الإذن بالكلام.

 

وبعيداً عن ترهيب هؤلاء واقتحاماتهم، تلفت فواز إلى أن إدارة الجلسات ليست بالسهولة التي يظنها الناس. وتتحدث عن تحديات عدة يواجهها هؤلاء تختلف بحسب نوع الجلسة، ما إذا كانت جلسة حوار بين عدد محدد من المتكلمين، أو جلسة مفتوحة. ومن بين التحديات التي تذكرها فواز الحرص على عدم الخروج عن الموضوع المطروح للنقاش، وتحدي توزيع الوقت بإنصاف بين المتكلمين. كما على المحاور أن يعرف كيف يتدخل عند خروج الحديث عن اللياقة والأدبيات لإيقاف المتحدث.

 

ووفق فواز على المحاور أن يذكّر المتكلمين بأنهم يتحدثون في جلسات عامة. إذ يدفع الكلام من خلف الشاشة بالناس للاسترسال في التعبير من دون الالتفات لتبعات ذلك.

 

شعب يحب الكلام

 

تنقلت فواز بين غرف “كلوب هاوس” حول العالم. وبحسب ملاحظتها تكمن مشكلة الجلسات اللبنانية في حب اللبنانيين للكلام وعدم اهتمامهم بالإصغاء على عكس الجلسات التي يشارك بها متكلمون من جنسيات أخرى. وتعتبر بأنه لا يتم الإصغاء جيداً إلى الخبراء في الغرف اللبنانية. كما لاحظت مشاركة الكثير من الأشخاص عبر التطبيق لآراء غير مبنية على أسس علمية. وهنا تلفت إلى أهمية أن يمتلك مدير الجلسة إلماماً كافياً بالموضوع الذي يطرحه كي لا ينقل المعلومات الخاطئة إلى المستمعين.

 

من جهة أخرى، بدا لافتاً للصحافية اهتمام المغتربين اللبنانيين بقضايا بلدهم. وتقول إن التطبيق كشف تعطش هؤلاء للتعبير عن همومهم ومواقفهم وآرائهم. وهو ما لم يتمكنوا منه في السابق إذ همّشتهم التغطيات الإعلامية. وتشير فواز إلى امتلاك هؤلاء خبرات كبيرة والكثير من التجارب الناجحة.

 

غرف تتسع لكل شيء

 

لا تقتصر غرف “كلوب هاوس” على النقاشات السياسية، إلا انها تلقى الاهتمام الأكبر في الساحة اللبنانية. فقد حضر أيضاً عبر التطبيق رجال دين نقلوا عظاتهم وفتاويهم إليه. كما حول بعض الأشخاص غرفه لمكان للدردشة من أجل التعارف والتسلية.

 

وفي خلال التنقل في الغرف حول العالم تبدو اهتمامات شعوب أخرى أوسع حيث تشمل مختلف المجالات. فيمكن الاستماع إلى حفلة غنائية عبر التطبيق، أو الاستماع إلى نقاش بين فنانين. وهناك من يتشارك القصص ليستوحي منها سيناريوات لأعمال فنية. فعبر “كلوب هاوس” انهارت حدود وحواجز جديدة بين البشر، حيث قاوم التطبيق بخصائصه التباعد الإجتماعي الذي فرضته جائحة كوفيد-19.