لا تنفصل معارك بلديات ساحل المتن الشمالي عن معركة اتحاد بلديات القضاء. على هذه البقعة تقع العديد من السلطات المحلية المكوّنة للاتحاد، وعليها أيضاً يستعرض ميشال المر «عضلاته» كونه ممسكاً بالغالبية، (وفق نتائج الإستحقاقات الماضية) إن لم نقل بمعظم بلديات الساحل. والمنافسة هنا تعني أمراً واحداً: المواجهة مع «أبو الياس»… ومع «اتحاده».
هكذا، اعتقد البعض أنّ «التيار الوطني الحر» قرر رفع منسوب تحديه بوجه «ختيار العمارة» ليسحب ملعقة الاتحاد من فم كريمته ميرنا، محصّناً بـ«تفاهم معراب»، الذي ظنّ المتحمّسون له أنّه سيكون بمثابة عصا سحرية بمقدورها تغيير وجه المتن السياسي، وخلط أوراق البلديات لإلباسها ثوباً عونياً ـ قواتياً يعرّي في المقابل، كل الآخرين.
صحيح أنّ معراب أثبتت أنها مستعدة للوقوف الى جانب الرابية في مواجهاتها البلدية، لكنها في المقابل أظهرت أنها تخوض استحقاقها بـ «ميزان الذهب». وهي إذ قررت دخول حلبات المواجهة فهذا لا يعني أنها ستضحي بحلفائها. وحين تسمح لها الفرصة بالتمثل في أي مجلس بلدي، ولو بعضو واحد، فهي لن تفوّت هذه الفرصة.
فعلياً، انطلق «البرتقاليون» في معاركهم بمنسوب مرتفع من الحماسة. رئيس «التيار» جبران باسيل كان واضحاً خلال لقائه مجلس قضاء المتن بالدعوة الى تحصين القواعد وتحميسها على خوض «معارك التغيير» لأنّ المطلوب انتخاب رؤساء بلديات «مستقيمي» الرأي لا يتغيرون مع تغيّر الرياح وحين تحين ساعة الحقيقة.
في هذه الأثناء كان حزب الكتائب ينتظر بدوره «ع الكوع». هو يخشى طبعاً من تفاهم الثنائي المسيحي ويخاف من تداعيات «تسونامية» قد تأخذه بـ«دربها» وتخرجه من عرينه المتني اذا ما فعل التحالف بين «التيار» و«القوات» فعله ونجح الفريقان في تركيب لوائح حديدية قد تغيّر معادلة قلب جبل لبنان. ولهذا كان لا بدّ من ملجأ «العمارة».
بين الصيفي وبتغرين الكثير من نقاط الإلتقاء. «كتائب المر» والمقصود بهم الكتائبيين الذين احتموا في ظلال «أبو الياس» خلال التسعينات، لطالما شكلوا صلة وصل وشبكة مصالح غير مرئية بين الفريقين لا سيما على المستوى البلدي والنيابي. على هذا الأساس، راح الكتائبيون يغازلون «جماعة» المر ويحسبون حسابهم في تركيب اللوائح.
بالنتيجة، تبيّن أنّ ساحل المتن من فوق غير ساحل المتن من تحت. حين يغرق البحث في مستنقع التفاصيل، يصبح لرسم السياسات مفهوم آخر. وراحت حمى التفاهمات التي ترسم فسيفساء غريبة من التناقضات، تنتقل من بلدية الى أخرى.
فالضبية مثلاً، والتي كانت موعودة بمعركة تجعل من الثلاثي العوني ـ القواتي ـ الكتائبي «بيضة قبان» المعركة والمتحكّم بمصيرها، باتت على قاب قوسين من تفاهم يبقي على رئيس البلدية قبلان الأشقر «ريّساً» بعد الوصول الى شبه تفاهم نهائي على أساس 7ـ7ـ1، أي سبعة أعضاء لرئيس البلدية وسبعة أعضاء للثلاثي المسيحي و «عضو ملك» لحزب الطاشناق الأرمني.
وكما في الضبية، كذلك الأمر في الجديدة والدكوانة اللتين تنامان على حرير الإنسجام العابر للاصطفافات السياسية، وقد التحقت بلدية بصاليم بقافلة التفاهمات بعد اتفاق «التيار الوطني الحر» مع رئيس البلدية الحالي وليم خوري على ترشيحه لولاية جديدة بعد منح البرتقاليين خمسة أعضاء وثلاثة مخاتير.
أما الزلقا ـ عمارة شلهوب التي يرأس مجلس بلديتها ميشال عساف المر، رجل العمارة الأول، والتي شهدت في العام 2010 معركة قاسية خاضها «التيار الوطني الحر» بوجه المريين، فتتقدم خطوات سريعة باتجاه التفاهم بين الخصــميّن ليــكون العونــيون في «جنّة» بلديــة الزلــقا.
في المقابل، ستشذّ سن الفيل عن القاعدة لتشهد معركة انتخابية غير مضمونة النتائج، وقد تلحقها جل الديب وانطلياس مع أنّ الصورة في هاتين البلدتين الساحليتين لا تزال ضبابية. في انطلياس يحاول «التيار الوطني الحر» بالتفاهم مع الكتائب تشكيل لائحة معارضة لرئيس البلدية الحالي إيلي فرحات أبو جودة. القطبة المخفية تكمن في الصوت الأرمني القادر على ترجيح الكفة بين الخصمين في حال المواجهة. فهل سيمنح الأرمن أصواتهم باكراً لواحدة من اللائحتين أما سينتظرون حتى اللحظة الأخيرة كما الاستحقاق الماضي؟
كذلك الأمر في جل الديب حيث يحاول العونيون تشكيل لائحة بالتفاهم مع «القوات»، أما الكلام مع بقية القوى فمتروك لمرحلة لاحقة. وفي بصاليم والفنار يتحضر أيضاً الثنائي المسيحي لخوض معركة بوجه رئيسيّ البلديتين الحاليين… أما الكلام عن رئاسة الاتحاد، فيبدو أنه صار في الخلف.