آن الأوان لأخذ زمام المواجهة السياسية ومنع «حزب الله» من التوغّل في مؤسسات الدولة العسكرية والقضائية
شيفرة الرسالة السعودية: انتهاء تسوية حكومة المصلحة الوطنية؟!
تَـرْك لبنان لمصيره يزيد من حال «اللاثقة» ويُطيح بالدولة المتماسكة لمصلحة إلحاق أجزاء منه بمشروع «سوريا المفيدة»!
السؤال الذي لا تزال إجابته غير مُكتملة المعالم يتعلّق بالمدى الذي يُمكن أن تصل إليه المملكة العربية السعودية، ومن خلفها دول الخليج العربي، في علاقاتها مع لبنان على ضوء الأزمة الحادة المشتعلة، على خلفية تخلّف لبنان الرسمي عن رَكب الإجماع العربي تضامناً مع المملكة في إدانة الاعتداء الإيراني على السفارة السعودية في طهران وممثليتها في مشهد، وما يستتبعه ذلك من إدانة للتدخل الإيراني في الدول العربية، ذلك أن المنحى التصاعدي للموقف السعودي بعد البيان – الاستدراك للحكومة، والذي اعتبره سفير المملكة في بيروت علي عواض عسيري «غير كافٍ وشافٍ»، يشي أن حالة التأزم بلغت مرحلة متقدمة لم يعد ينفع معها علاج المُسكّنات.
ورغم أن مشهد التضامن الذي شهدته السفارة، على مدى الأيام الماضية، كان مشهداً جامعاً عبّرت عنه شرائح واسعة من المجتمع السياسي اللبناني التي تكن التقدير للمملكة، فإن لبنان الرسمي ومعه الحلفاء والخصوم ما زالوا يعكفون على فك «شيفرة» الرسالة السعودية.
فبين مَن يُدرج الخطوات السعودية – الخليجية في إطار الانسحاب من لبنان، وبين مَن يُدرجها في إطار رفع سقف المواجهة المرتبطة بالمواجهة المصيرية الكبرى التي تقودها في المنطقة، على جبهات عدة من اليمن إلى العراق فسوريا، في وجه النفوذ الإيراني، يرتفع منسوب القلق من تداعيات الخطوتين على الداخل اللبناني على مختلف المستويات، وهو ما يدفع بالمراقبين إلى الاعتقاد بأن لبنان قد دخل مرحلة جديدة، انتهت معها المسوغات والاعتبارات والنتائج التي ترتّبت على التسوية التي أفضت إلى حكومة «المصلحة الوطنية»، والتي جرى وصفها بحكومة «ربط نزاع». تلك الحكومة التي شَكّلت، إلى حد كبير، مظلة أمان معقولة للبنان حيّدته عن أن تمتد إليه الحرائق المحيطة به بشكل يؤول إلى انفجار الوضع الأمني فيه.
فخطوة الانسحاب من لبنان تعني تركه لمصيره مع ما سيترتب على ذلك من فراغ عربي، في لحظة إقليمية ضاغطة، وفي ظل موازين قوى مختلّة، من شأنها أن تحمل الكثير من مخاطر زيادة الهيمنة الإيرانية على لبنان. فالفراغ لا بد من أن تملأه قوى ما، ووحدها القوى المنضوية ضمن المحور الإيراني جاهزة للانقضاض على ما تبقى من مؤسسات ونفوذ خارج سيطرتها. ومن شأن الأزمة الاقتصادية – المالية التي قد تنشأ عن ازدياد حال «اللاثقة بلبنان» ووقف أي نوع من الاستثمارات فيه وترحيل الآلاف من اللبنانيين من دول الخليج وخسارة لبنان للمليارات من تحويلات المغتربين، أن تصبّ في مصلحة «حزب الله»، المستفيد الأول من انهيار الدولة ومرتكزاتها الاقتصادية والاجتماعية والمالية، ولا سيما في ظل الكلام المتصاعد عن أن أي تسوية في سوريا من شأنها أن تلحظ كيان « سوريا المفيدة» الذي أضحت معالمه واضحة، بامتداده من الساحل السوري إلى دمشق مروراً بحمص وارتباطه بالحدود اللبنانية، وهو كيان يتم الحديث عن احتمال تمدده ليشمل أجزاءً من لبنان، بقاعاً وربما جنوباً، الأمر الذي لا يمكن أن يُبصر النور في ظل دولة متماسكة قادرة على مواجهة أي مشروع تقسيمي للبنان.
أما خطوة المواجهة، فتعني في رأي المراقبين، أن على القوى السياسية المؤيدة لقوى الاعتدال العربي والرافضة لمشروع الهيمنة الإيرانية أن تستفيق من سُباتها العميق، وأن تستعيد الزخم السياسي والشعبي في مشروع مواجهة سياسية تمنع «حزب الله»، بما يشكله من «أداة إيرانية» سياسية أيضاً، من التوغل أكثر في تركيبة المؤسسات اللبنانية، ولا سيما الإدارية والعسكرية والقضائية. وإذا كان ثمة حال من التراخي والانتظار قد أصابت قوى الرابع عشر من آذار، وفي مقدمها «تيار المستقبل» بالرهان على «سوريا المستقبل»، التي لن تكون على شاكلة سوريا اليوم ونظامها، ستؤول إلى إعادة توازن القوى على الساحة اللبنانية، فإن الأوان قد آن لاستعادة زمام المبادرة في المواجهة السياسية، ذلك أن منطق الصمود وحده لم يعد كافياً.
على أن هذا التحوّل السعودي – الخليجي المستجدّ، سواء أكان في اتجاه الانسحاب أم المواجهة، سيترك انعكاساته على الوضع الأمني، وهو في رأي خبراء أمنيين مسألة طبيعية، إذ أن «الكباش السياسي» لا بد له مِن أن يترك تداعيات أمنية، ذلك أن الانكشاف السياسي على وقع التوترات المذهبية والطائفية من شأنه أن يُشكّل أرضية يمكن النفاذ منها بسهولة لإحداث اهتزازات أمنية. وهو ما بدأ بالظهور سواء في حادثة السعديات أو في «مناشير طائفية ومذهبية»، تؤكد معلومات موثوق بها، أنها نُشرت في أكثر من مكان. ولا يُخفي معنيون في الشأن الأمني أن لبنان قد أضحى مكشوفاً أمنياً أمام احتمال حصول تفجيرات أو حوادث أمنية متنقلة، إلا أن هؤلاء يرون أن الأمور في البلاد لن تصل إلى حدود الانفجار الكبير، ذلك أن كل الأطراف، على اختلاف توجهاتها السياسية، غير راغبة في الذهاب إلى حد «الصدام الكبير». فـ «حزب الله» غير قادر على فتح جبهة داخلية تكشف ظهره وبيئته ومناطقه فيما هو يقاتل في سوريا بكل ثقله ويُوزّع خبراته في العراق واليمن، بينما القوى المناوئة للحزب غير قادرة على خوض «الصدام الكبير» ما دامت غير مهيأة ولا تملك أدوات المواجهة العسكرية، حتى لو أرادت، رغم أنها تستمر في إعلان رهانها على الدولة والمؤسسات الشرعية الأمنية رافضة التحوّل إلى مشروع ميليشيات، سبق أن خبره اللبنانيون سابقاً.
لكن السؤال: هل تبقى الأمور على هذه الحال في ظل ما يُحكى عن تطورات عسكرية قادمة إلى المنطقة بعد انتهاء مناورات «رعد الشمال» التي يُجريها التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب في حفر الباطن؟