اليوم يتقرر مصير قانون سلسلة الرتب والرواتب والضرائب المتصلة بها، والمدرجة في خانة تمويلها، والأجواء السائدة توحي بأنه لن يكون توقيع رئاسي غير مشروط، أو ردّ مع القول ليكن ما يكون.
فكرة الحوار بين طرفي الانتاج، بين المعنيين بالسلسلة وضرائبها، بين العمال وأرباب العمل وبين الحكومة والموظفين، قد يرى فيها البعض وجها من وجوه ارتباك الارادة، فيما يرى فيها البعض الآخر، حوارا مباشرا من أجل التوصل الى قواسم مشتركة، الى حلول وسط، تدخل في سياق السياسية التوافقية للحكومة والعهد.
طرح الأمور المعقدة في قاعات القصر الحوارية، أسلوب قديم ومتجدد وقد عرفه لبنان منذ اندلاع أزمته الأولى، وقد نجح حينا وأخفق حينا آخر، وكان اتفاق الطائف عنوان الحوار الوطني الناجح، والذي يعيش لبنان الآن في فيء ظلال السلام الأهلي الذي أرساه عام ١٩٨٩.
ويذهب البعض الى التذكير بأن مبدأ الحوار، أو الشورى، قديم قدم الزمن، وكان أبرز من اعتمده في التاريخ النبي يوسف، الذي كان كلما واجهته مشكلة دعا أهالي طيبا للتحاور والتشاور وحلّ الأمور بالتي هي أحسن.
ويبدو ان الرئيس عون بصدد اعتماد هذه الوسيلة لمعالجة الأمور المعقدة، في ضوء معايير التوازن السياسي، الذي لا يسمح برأي منتصر، وآخر منكسر في هذا البلد، بل بالتوافق، الذي يبقى، رغم معاداته للديمقراطية الحقة، الخيار الأسلم بالنسبة لبلد مركّب كلبنان.
وكان الاختيار الأول للعلاج الحواري، باجتماع رؤساء الكتل والأحزاب في القصر الجمهوري للتفاهم على قانون الانتخابات. والتوقعات تشير الى ان الحوار الثاني المقرر اليوم سيخرج بالتوافق على حلّ مشروط، بأن يوقّع رئيس الجمهورية قانون السلسلة وأحكامه الضرائبية، لقاء تعهد الأطراف النيابية المناصرة لهذا القانون، كما هو، بتقديم اقتراحات معجلة مكررة ترمي الى تعديل البنود الخلافية، كالتداخل الحاصل في موضوع إلحاق معلمي المدارس الخاصة، بالسلسلة رغم انتمائهم الى القطاع الخاص، والازدواج الضريبي وصندوق تعاضد القضاة وحقوق المتقاعدين.
وتقول المصادر المتابعة ان النكايات السياسية مسؤولة، والى حد بعيد، عن وصول السلسلة الى هذا المفترق، وان رئيس الجمهورية عندما قرر فتح دورة استثنائية لمجلس النواب انما وضع الموازنة العامة في الأولويات الواجبة بغاية تحديد الواردات والنفقات الكافية لتغطية السلسلة، لكن المجلس قدّم السلسلة على الموازنة العامة، ومعها الأحكام الضريبية، موضوع الانقسام، فاصطدمت الآراء وبالتالي الارادات، وتحرّكت المصارف، بفعاليتها المشهودة، ومعها الهيئات الاقتصادية، وقابلها تحرّك مضاد من أنصار السلسلة، قضاة عاملين، وعسكريين متقاعدين، وأساتذة ثانويين، رسميين وخاصين، ما جعل الجميع في زاوية المهل القانونية المتسارعة، ووضع الرئيس أمام خيارات ثلاثة، توقيع القانون قبل ٢٤ الجاري، موعد انتهاء المهلة، أو ردّه، وفي كلتا الحالتين أزمة، لذلك كان الركون للخيار الثالث، الذي هو جمع طرفي الانتاج على طاولة واحدة، ومواصلة التحاور حتى التوافق على حلّ وسط يرضي الجميع ولو بالحد الأدنى…
المصادر المتابعة تفاءلت بعد مناشدة وزير المال علي حسن خليل الرئيس عون بتوقيع القانون مع الاستعداد لاجراء التعديلات المطلوبة لاحقا، وقد بدت بصمات الرئيس نبيه بري جليّة في هذا التصريح، ما يعني انه رغم اعتذاره عن المشاركة في حوار اليوم، فان ملائكته سبقته الى بعبدا…