رسائل مشفّرة لا ينفيها «حزب الله»: عقبات كثيرة قبل جلسة 31 ت1
مطالعة الحريري لم تُقنع الشارع السنّي… ومخاوف من مرحلة ما بعد انتخاب عون
أوساط 14 آذار عن بيان كتلة «الوفاء للمقاومة»: الاستحقاق لم يَعبر بعد مَعبَر الثنائية الشيعية!
هل يكفي ترشيح الرئيس سعد الحريري، بوصفه الزعيم السنّي الأول في البلاد ورئيس أكبر كتلة برلمانية, للعماد ميشال عون لإيصاله إلى قصر بعبدا؟
سؤال يفرضه مسار التطورات التي أحاطت بخطوة الحريري قبل الإعلان الرسمي، وفي مقدمها المعارضة الشرسة لرئيس مجلس النواب نبيه برّي، أحد قطبي «الثنائية الشيعية» الحاكمة، والتي دفعت بمعاونه السياسي علي حسن خليل إلى اعتبار اتفاق عون – الحريري «عودة إلى ثنائية سنية – مسيحية شبيهة بما كان عليه الأمر عام 1943… وسنواجهها».
وإذا كان «التيار الوطني الحرّ» مقتنعاً بأن ترشيح الحريري كفيل بتعبيد ما تبقى من الطريق أمام جنرال الرابية للوصول إلى سدّة الرئاسة، وإذا كان الحريري يسعى لأن يكون تحوّله الكبير مفتاحاً لإنهاء الفراغ الرئاسي وعودة الانتظام العام إلى المؤسسات الدستورية، فإن أوساطاً متابعة في قوى 14 آذار توقفت طويلاً عند بيان كتلة «الوفاء للمقاومة» الذي حمل في طيّاته رسائل «لمن يعنيهم الأمر» ترسم معالم خارطة الطريق المطلوب سلوكها «لتسهيل المهام المترتبة ما قبل الاستحقاق وما بعده» وجهتها عين التينة قبل الاستحقاق طريقاً لولادة الرئيس العتيد، و«حارة حريك» من بعده مفتاحاً لتأليف الحكومة، ما يدل، في رأي تلك الأوساط، على أن مسألة الاستحقاق وتبعاته لم تَعبُر بعد معبر «الثنائية الشيعية»، على الرغم من التمسّك العلنيّ لـ «حزب الله» بدعم عون طوال سنتين ونيّف، والذي أفضى إلى إرساء الفراغ الرئاسي والانحلال التدريجي لمؤسسات البلد ومقوماته الاقتصادية.
تلك «الرسائل المشفّرة» لا ينفيها متابعون لصيقون بـ «حزب الله»، ويعتبرون أنه لا يزال هناك الكثير من العقبات داخل محور «8 آذار» مطلوب تذليلها قبل 31 تشرين الأوّل، الموعد المقرر لجلسة الانتخاب، غير أنهم يذهبون إلى الجزم بأن «حزب الله» يملك «الوصفة السحرية» لإزالة الألغام والعُقد ضمن فريقه السياسي.
فهو نجح في لجم الاندفاعة السلبية في العلاقة بين الرابية وعين التينة، أولاً من خلال الموقف الذي أعلنه برّي عن التزامه بالنزول إلى جلسة الانتخاب في 31 من هذا الشهر وتهنئة الفائز، رغم تأكيده أنه ضد انتخاب «الجنرال»، وثانياً من خلال حضّ الجنرال على زيارة سريعة لبري قبل سفر الأخير إلى الخارج، وهو ثالثاً يعمل بقوة على خطيّ الرابية – عين التينة، والرابية – بنشعي، من أجل إنضاج تفاهمات سياسية قبل الاستحقاق.
لكن تلك المحاولات ليس بالضرورة أن تؤول إلى خواتيمها المطلوبة، بسحب فرنجية ترشيحه وتجيير برّي أصواته لعون، إذ يُراهن هؤلاء المتابعون على الفترة الفاصلة ما بين انتخاب الرئيس ومشاورات التكليف والتأليف لحكومة العهد الأولى، حيث مِن المنتظر أن تحمل مفاوضات ما بعد الاستحقاق، الثنائية والثلاثية, الاتفاقات المطلوبة حول حجم الحصص الوزارية للمعارضين اليوم، تُمهّد لمشاركتهم في الحكم، بما يُعيد لمّ صفوف فريق «8 آذار» ضمن بوتقة الحزب في السلطة التنفيذية.
ولا يستبعد مراقبون أن يَخرج برّي من المواجهة الراهنة بـ «حصة الأسد» في الحكومة والتعيينات، وهي حصة يتخوّف هؤلاء من أن تأتي على حساب حصة الحريري وفريقه السياسي، ثمناً للإفراج عن التشكيلة الوزارية وانطلاق عمل الحكومة، فانتخاب الرئيس وإنجاز مرحلة التكليف ليست معياراً على أن عجلة الحكم قد انطلقت، وهي تجربة سبق للحريري نفسه أن مرّ بها مع انتخاب الرئيس ميشال سليمان بعد اتفاق الدوحة، بحيث لم تولد حكومة العهد الأولى آنذاك إلا بعد مخاض عسير وأثمان كبيرة من التوترات الأمنية في البيئة السنية من الشمال إلى البقاع الأوسط.
تلك المخاوف مِن المرحلة التي ستلي الانتخاب المفترض لعون والتكليف الموعود للحريري، ماثلة أمام زعيم «المستقبل» الذي وصف خطوته بـ «المخاطرة السياسية الكبرى»، وهي مخاطرة دفع أول أثمانها في بيته «المستقبليّ» بإعلان أركان أساسيين عزوفهم عن السير بخيار «رب البيت» السياسي، انطلاقاً من اقتناع لدى هؤلاء بأن انتخاب عون من شأنه أن يؤدي إلى استفحال الأزمة الداخلية بدل انفراجها، كما دفع أثمان خطوته في شارعه السني العريض الذي أظهر حالاً من التململ والرفض لخيار زعيمهم الأول رغم ما قدّمه من أسباب موجبة ومطالعة سياسية لتحوّله هذا، وهي أثمان قد ينجح الحريري في تعويضها واستعادة شارعه إذا انطلق العهد الجديد من دون عقبات وعراقيل وفق الاتفاق الذي أعلن عن التوصل إليه في حواره مع عون، والتسوية السياسية التي يأمل في أن تشق طريقها.
فالخطوة التي أقدَمَ عليها الحريري نزعت لغماً زرعه العونيون أنفسهم، حين اعتبروا أن السنّة يقفون عائقاً أمام الإجماع المسيحي على زعيمهم بوصفه الرئيس الأقوى ضمن طائفته، وما حمله هذا المنطق من عودة إلى ظهور المناخات التقسيمية التي سادت في بدايات الحرب الأهلية. كما أنه وضعَ بهذه الخطوة حلفاء عون في الزاوية، حيث ضاق أمامهم هامش المناورة وبات عليهم ملاقاة خطوة زعيم «المستقبل»، إذا كانوا فعلاً يريدون وصول «جنرال الرابية» إلى قصر بعبدا. فما قبل إعلان الحريري لن يكون كما بعده من حيث النتائج على ضفتي الثامن والرابع عشر من آذار وضمن بيت كل منهما، ذلك أن المرحلة المقبلة من شأنها أن تحمل سمات جديدة لم تتبلور معالمها بعد بشكل جليّ.